للأسف بتنا نسمع هذه الأيام عن أسئلة ما كنا تسمع عنها من قبل، بل ما كان العقل البشري أن يصل إليها أبدًا، ولكن مع اتساع الجدال حول الشريعة، زادت مثل هذه الأسئلة، ومنها (هل للإنسان أن (يُحاكم ربه)؟!
للوهلة الأولى قد يتيبس جسد الإنسان حينما يسمع مثل هذا السؤال، إلا أنه بعد تريث قليل، يعود لرشده، حين يعلم أن الإسلام احتوى مثل هذه الأسئلة وأخرى كثيرة قد تكون أكثر جدالا، ولمّ لا، ونبي الله إبراهيم عليه السلام، حينما واجه النمرود بأن الله هو الخالق ذو القوة المتين، يجد إجابة (غير اعتيادية) بأنه أيضًا يحيي ويميت، وهي إجابة لم يكن ليفكر فيها أحدهم في ذلك الزمان، إلا إذا كان من أهل الجهل، فكانت النتيجة أن يفحمه إبراهيم عليه السلام بأن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب، فبهت الذي كفر.
قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (البقرة 258)، وبالتالي لابد من الإجابة على صاحب السؤال الأول لكي (نبهته أيضًا).
لا يُسأل
بالتأكيد ليس للإنسان أن يُساءل ربه أو يحاكمه ، لِم فعلت هذا، ولمّ لم تفعل هذا؟.. ذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (الأنبياء 23)، فالواضح من هذا السؤال أن الإنسان خرج عن العبودية بعدم إدراك الفرق بين العبد والمعبود.. وبالتالي فإن عدم إدراك العبد لصفات الإله تجعله يرى عدم العطاء للبعض دون البعض ظلم وشر وهي في الأصل حِكمة الهية تدير كمية رهيبة من المعلومات لا متناهية، تقتضي وضع الشيء في موضعه، فمن الجهل أن يلوم الإنسان على ربه ويعترض على أفعاله.
ولذلك الاعتراض على الحكمة يكون دائمًا بسبب فقد المعلومات، فالواجِب على كل مسلم أن يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى، هو رب كلِّ شيء ومليكه، له التصرف المطلق، وله الحكمة البالغة، يفعل ما يشاء ويحكم بما أراد، لا يُسأَل عما يفعل، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وأنه عليم حكيم عدل، لا يظلم أحدًا، بل حرم سبحانه الظلم على نفسه، قال سبحانه وتعالى: « إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا » (النساء : 40).
اقرأ أيضا:
التيسير منهج إسلامي.. احرص عليه في كل تعاملاتكيعلم من خلق
فإياك عزيزي المسلم أن تدخل هذه المنطقة المحظورة، وتسأل ما ليس لك به علم، لأنه يقينًا لا يمكن لله -وحشاها من ذلك- أن يظلم مثقال ذرة، يقول المولى سبحانه وتعالى: « وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ » (فصلت : 46)، ويقول أيضًا عز وجل: « وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا » (الكهف : 49)، أما الاحتجاج بأن الله سبحانه وتعالى، يخلق الإنسان، ويكتب مصيره من السعادة أو الشقاء، فهذا أمر طبيعي للإله القادر العليم، الذي يحيط علمه بكل شيءٍ من مخلوقاته، ولذا قال تعالى: « أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (الملك : 14)، وكيف يكون ربا للأشياءِ وهو لا يعلم مصيرها، ولا ما تؤول إليه؟!.