كثر اللغط والجدال مؤخرًا حول قضية تم البت فيها منذ عشرات إن لم يكن مئات السنين، وهي (هل صوت المرأة عورة)؟.
والحقيقة أن صوت المرأة "ليس بعورة"، وقد أباح الله لها أن تخاطب الرجال، بلا خضوع بالقول، فتدرس، وتعظ، وتفتي، وتخطب، وتسأل، وتجيب، وتشتري، وتبيع، ومن ثمّ فإن قراءتها القرآن بصوت مسموع أمام الرجال الأجانب جائز لأنها من جنس الكلام، وفقًا لعدد من النصوص الشرعية، منها ما ورد عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنه قال : «قالت النساء، للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم : غَلَبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا، لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن»، وبالتالي لو كان صوت المرأة عورة ما سمعه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وما أقر أصحابَه على سماعه.
دليل قرآني
أيضًا أكد القرآن الكريم أن صوت المرأة ليس بعورة، حيث قال الله تعالى: « وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ » (الأحزاب: 53)، وهذه الآية المعروفة بآية "الحجاب" حكمها عام لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولغيرهن، لا كما زعم البعض أنها خاصة بأمهات المؤمنين.
أما الممنوع أداءً واستماعًا فهو القراءة المصحوبة بما لا يُراعَى فيه حق القرآن من التلاوة المستوفية لحق المعنى بلا ابتذال لأنه قد يكون حينئذٍ من باب الخضوع بالقول، المنهي عنه في قوله تعالى : «فلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا» (الأحزاب: 32)، لكن إذا كان صوت المرأة يتلذذ به السامع أو يخاف على نفسه الفتنة فحرام عليه استماعه، وإن كان غير ذلك فلا يحرم ، لأنه ليس بعورة.
اقرأ أيضا:
التيسير منهج إسلامي.. احرص عليه في كل تعاملاتكعائشة وابنتا شعيب
أيضًا ورد القرآن قصة نبي من أولي العزم، وهو نبي الله موسى عليه السلام، حينما ورد ماء مدين، ووجد عنده امرأتان تزودان، وكانتا ابنتا نبي آخر وهو نبي الله شعيب عليه السلام، ومع ذلك دار بينهما حديث، إلا أنه كان حديثًا يدل على الحياء وحسن الأدب، قال تعالى: «وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ».
وفي عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هناك مواقف كثيرة كانت المرأة حاضرة فيها بصوتها وعقلها وعلمها، وقد كان النساء يسألن رسول الله في حضرة الصحابة ولا يأمر الرجال بالقيام، بل نجد من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يحث على أخذ العلم عن أمهات المؤمنين وخاصة السيدة عائشة رضي الله عنها عندما قال: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء".
وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يسألونها عن الفرائض فقد قال عطاء بن أبي رباح عنها: «كانت عائشة رضي الله عنها من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة»، وأيضًا كانت النساء تتحدث مع الصحابة وقيل فى صحيح مسلم أن أنس رضي الله عنه قال: «قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها، نزورها كما كان رسول الله يزورها».