كثيرون هذه الأيام يشتكون من أن جميع الطرق سدت أمامهم، ولم يعد لهم أي أمل في الحياة، سواء على المستوى العملي أو العلمي، فتراه يستسلم تمامًا للإحباط، وينجح الشيطان في أن يكرس داخله الإيمان بالفشل، بدلا من اليقين في الله عز وجل -والعياذ بالله- وذلك على الرغم من أن الله بذاته العليا يحذرنا من ذلك، ويفتح أمامنا كل أبواب رحمته، ويؤكد على أنه لا يمكن أن يضيع أجر من أحسن عملاً.
ليس هذا فحسب، وإنما أيضًا يغفر الذنوب جميعًا مهما كانت، ويمنح صاحبها بداية جديدة وكأنه ولد من جديد، قال تعالى يبين ذلك: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر 53).
الوهن
كثير منا يحفظ عن ظهر قلب قوله تعالى على لسان نبيه زكريا عليه السلام ي سورة مريم: «قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا»، إلا أنه ينسى ما وراء هذه الآية العظيمة، إذ أن كل الأسباب لاشك كانت تقف في وجه نبي الله زكريا عليه السلام ، فهو يريد ابنًا وكل الطرق مغلقة تمامًا، (وهن عظمه ، واشتعل رأسه شيبًا ، وامرأته عاقر)، فمن أين يأتي الولد وقد أجتمعت كل هذه السدود؟، ولكن زكريا عليه السلام كان يعلم أن الله قادر ، فلما أفرغ قلبه من التعلق بالأسباب ، ولما رآها لا شيء أمام قدرة الله سبحانه ، وعلق قلبه بربه وحده ، جاءه النداء الجميل: «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ»، لأنه مما لاشك فيه أنه من عامل الله باليقين ، سخر الله له المعجزات.. فقط عليك عزيزي المسلم أن توقن في الله عز وجل تنفك عنك كل العقد، وتتفتح أمامك كل السدود مهما كنت تراها سدًا منيعًا.
اقرأ أيضا:
7فضائل امتاز بها شعبان عن باقي الأشهر ولهذا كان يكثر فيه الرسول من الصيامالثقة بالله
عليك بالثقة بالله فقط، ترى كل الأبواب المسدودة فتحت أمامك، ففي زماننا هذا للأسف كثر القلق، وزادت الهموم، وحاصرت الأحزان المسلمين من كل حدب وصوب، وكثر تعلق المخلوق بالمخلوق فصار يخشاه ويرجوه، وربما باع دينه بعرض من الدنيا قليل، وفي ذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " إن الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيلقى الرجل وله إليه حاجة فيقول له: أنت كيت وكيت!-يثني عليه-؛ لعله أن يقضي من حاجته شيئًا فيسخط الله عليه، فيرجع وما معه من دينه شيء"، فأين إذن الثقة بالله تعالى والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه؟، قال تعالى: « وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً » (الطلاق: 2-3)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: « وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً » (الطلاق: 4).