تبين د. مروة عبد الحميد استشاري العلاقات الاسرية والتربوية ان قلوبنا لا تستطيع اختيار من نحب. ولكن عقولنا بإمكانها التمييز بين القرارات الصالحة والمناسبة للمنفعة العامة. مما لا شك فيه، أن الإنسان قد يميل قلبه لأحد أبنائه وذلك لا يعني أنه لا يحب باقي أبنائه. إنما قد يكون أحد الأبناء مريح في التعامل أكثر من غيره أو نجد أنه يوجد بينه وبين الأب/الأم صفات مشتركة تسهّل عليهم التعامل فيما بينهم. فيميل القلب تجاه هذا الابن بشكل تلقائي. وقد حدث ذلك بالفعل مع نبي الله يعقوب عليه السلام، إذ أحب سيدنا يوسف حباً كبيراً لتميزه واستقامته وحبه لأبيه، إلي جانب أن سيدنا يوسف قد فقد أمه فكان يعطف عليه سيدنا يعقوب ليعوضه عن حنان أمه. لا يمكن لأحد أن يلوم سيدنا يعقوب علي حبه الشديد لسيدنا يوسف ولكن من الضروري التدقيق في أن سيدنا يعقوب عليه السلام لم يميّز سيدنا يوسف علي أحد من أخوته. إنما وسوس الشيطان لأخوته ففعلوا فعلتهم.
وتوضح علينا هنا أن نقف مع أنفسنا وقفة واضحة وصريحة. من الوارد أن تحب ابناً لك أكثر من غيره، ولكن عليك الحذر من الوقوع في فخ التمييز بين الأخوة لما له من عواقب وخيمة علي الابن نفسه وعلي باقي الأخوة. فعلي سبيل المثال، إذا ما شعر باقي الأبناء بالتمييز الصريح بأحد أخواتهم، فتح ذلك في علاقاتهم ببعض باباً من أبواب الشيطان. فكما نزغ الشيطان بين سيدنا يوسف وأخوته، سينزغ بين الابن الذي تفضّل وبين باقي الأبناء. الأمر الذي قد يؤدي إلي الكثير من المشكلات فيما بينهم أبسطها قطيعة الرحم وجفاء القلوب والغيرة المفرطة. تلك المشكلات ستبني من باقي الأبناء نفسيات هشة غير سوية فاقدة للثقة بالنفس بالإضافة إلي شعورهم بالحرمان من حب الوالدين وفقدهم للأمان معهم. تلك المشاكل النفسية مضرة جداً بمجتمعاتنا وعلينا تفاديها ومساعدة أبنائنا كافة في تخطيها حتي لا ينصلح حال المجتمع كله. فالتكاتف والأخوّة والحب بين أفراد الأسرة من أسباب قوة المجتمع وصلابته وعنصر رئيسي لنهضة الأمم.
وتذكر ان علي صعيد آخر، يجب التنبيه علي أن التمييز بين الأبناء بشكل صريح قد يتسبب في مشكلات نفسية للابن المميّز نفسه، لأنه قد يتعود علي الشعور بالاستحقاق الدائم دون بذل مجهود. وهذا الأمر سيؤدي إلي أمران: الأول: يفقد الابن الحماس والتحفز علي العمل الجاد الذي يكسبه حب الناس واحترامهم. والأمر الثاني: أن الابن سوف يتعرض لصدمة كبيرة عندما يخرج للعالم الخارجي سواء في المدرسة أو الجامعة أو مجال العمل ولا يجد ذلك التمييز من المدرسين والمديرين.. ستهتز ثقته بنفسه ويشعر بضعف وعدم قدرة علي ممارسة الحياة ومواجهتها بنجاح.
وتنصح السائل بأن عليك توخي الحذر في طريقة تعاملك مع باقي الأبناء وإدارة الأسرة بشكل متوازن وفعّال حتي لا يقع أبنائك فريسة للشيطان وللمشكلات النفسية.