مر النبي صلى الله عليه وسلم بالكثير من المواقف المؤثرة، التي لاتملك نفسك وأنت تسمعها ولو لمرات عديدة، خاصة حينما تعلم أنها أبكت عين النبي صلى الله عليه وسلم، وأز له صدره من شدة البكاء، ومن بين أكثر المواقف التي أثرت على النبي رغم صبره، واحتسابه، موت ابنه إبراهيم عليه السلام، وهو طفل صغير، في الوقت الذي كان فيه إبراهيم أخرأطفال النبي من الذكور، بعد وفاة القاسم وعبد الله .
نـام إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم، في حضن أمه مارية ، وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة 10 للهجرة، وكان عمره ستة عشر شهرًا، والموت يرفرف بأجنحته عليه ، والرسول عليه الصلاة والسلام ينظر إليه ويقول له :
يا إبراهيم أنا لا أملك لك من الله شيئاً ..!
ومات إبراهيم وهو آخر أولاده ، فحمله الأب الرحيم صلى الله عليه وسلم ووضعهُ تحت أطباق التراب ، وقال له :
يا إبراهيم إذا جاءتك الملائكة فقل لهم :الله ربي ..
ورسول الله أبي ..
والإسلام ديني ..
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم خلفهُ ، فسمع عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، يُنهنه بقلب صديع .. فقال له :
ما يبكيك يا عمر ؟
فقال عمر ، رضي الله عنه ، :
يا رسول الله !
إبنك لم يبلغ الحلم ..ولم يجر عليه القلم ..وليس في حاجة إلى تلقين ..
فماذا يفعل ابن الخطاب ؟!
وقد بلغ الحلم .. وجرى عليه القلم ..ولا يجد ملقناً مثلك يا رسول الله ؟!!
وإذا بالإجابة تنزل من رب العالمين جل جلاله بقوله تعالى رداً على سؤال عمر :
" يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرة وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ".
اقرأ أيضا:
ماذا تعرف عن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين؟ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظِئْرًا لإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبَّله وشمَّه، ثم دخل عليه بعد ذلك وإبراهيم يجودُ بنفسه، فجعلتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان! فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)).
فُجِعَ النبي صلى الله عليه وسلم بفقد ابنه إبراهيم، كما فُجِعَ بفَقْدِ جميع أبنائه في حياته ما عدا فاطمة رضي الله عنها، وإنها وربِّ الخلق لمن أشد ما يصيب الإنسان في دار الفناء، فليست هناك مصيبة أشد على المرء من فقد الولد، فكان يستقبل هذا البلاء باليقين والصبر والرضا بقضاء رب العالمين، وكان صبره على فراقهم بمقدار تحمله لجميع شدائد الدنيا، فما كانت تتعدى ردةُ فعله سيلانَ عبراته الشريفة على خَدَّيْهِ الكريمين.
وقد روي عن أنس رضي الله عنه بسند صحيح قال: "لو عاش إبراهيم ابنُ النبي صلى الله عليه وسلم، لكان صدِّيقًا نبيًّا".
كما أخرج البخاري في صحيحه من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال: "قلت لابن أبي أوفى: رأيتَ إبراهيمَ ابنَ النبي؟ قال: مات صغيرًا، ولو قُضِيَ أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيٌّ، عاش ابنه؛ ولكن لا نبي بعده".
وعندما انكسفت الشمس يوم وفاته، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)).
يقول الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].