كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل الناس بوجه طلق، وصدر رحب، حتى كان يخيل إلى كل فرد من صحابته أنه أقرب الناس إليه، وأنه أحب الناس إليه، فقد وسع ببشْره الناس جميعًا.
وقد دلل على هذا السلوك النبوي الصحابي جرير بن عبدالله رضي الله عنه، قائلاً: "ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي".
رحمة في القلب وبشاشة في الوجه
وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الرحمة التي امتلأ بها قلبه، وهذه البشاشة التي امتلأ بها وجهه، في تصحيح صورة الإسلام مبكرا، من خلال الدعوة إلى دين الله، وقد أمر صحابته بهذه الرحمة وهذه البشاشة، كما وجه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بتبليغ هذا الدين بنفس المنهج، وحذر من يحيد عنه، موضحا صلى الله عليه وسلم أن في تعليمه وبلاغه للآخرين تدابير واقية للمستمع في أن يسمع عن هذا الدين من أهله قبل أن يسمع من غيرهم .
وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:” بلّغوا عنّي ولو آية”(رواه البخاري) ويقول صلى الله عليه وسلم مخاطباً عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ” ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم “(رواه البخاري).
وهذا تحفيز وتشجيع منه صلى الله عليه وسلم لأمته في الحرص على نيل الفضل والثواب في هذا الباب العظيم.
بل أن النبي صلى الله عليه وسلم واجه ببشاشته وحرصه على تصديرالصورة الصحيح للإسلام، واجه قصص وأباطيل قريش نحو الإسلام وتنفيرهم أحياء العرب والقادمين إلى مكة لحج أو عمرة أو غير ذلك منه، فأظهر الله المعجزات على يد نبيه، دلالة على صدقه فيما جاءهم به من البينات والهدى، وتكذيبًا لهم فيما يرمونه أعداء الإسلام من البغي والعدوان والمكر والخداع، ويرمونه من الجنون والسحر والكهانة والتقول.
وجاء في قصة الطفيل بن عمرو الدوسي وكان سيدًا مطاعًا شريفًا في دوس، وكان قد قدم مكة فاجتمع به أشراف قريش وحذروه من رسول الله ونهوه أن يجتمع به أو يسمع كلامه.
قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفًا (القطن) فرقًا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة.
قال: فقمت منه قريبًا، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله.
قال: فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: واثكل أمي ! والله إنى لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذى يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته.
قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا. للذي قالوا.
قال: فو الله ما برحوا بي يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعت قولا حسنا، فاعرض عليّ أمرك.
قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه.
قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاكيف انطلق النبي بدعوته للعالمية؟
فهم الصحابة الكرام مقصود الدعوة من خلال النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه لهم، فلما أرسل منهم رسلًا إلى أهل اليمن وإلى بعض الأمصار، وكان من بين الرسل من صحابته علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم، أوصاهم بعدد من النصائح للقيام بواجب الدعوة وتحسين صورة الإسلام، وقد كانت من وصاياه صلى الله عليه وسلم لهم: “بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا”.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن”(أخرجه الترمذي).
كما أوصى النبي الصحابي معاذ بن جبل حينما أرسله لأهل اليمن كما ورد عن ابن عباس” أن معاذًا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك؛ فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”(أخرجه البخاري).
وحرص النبي صلى الله عليه وسلم في وصاياه لسفرائه على الاهتمام العظيم بالدعوة لتحسين صورة الإسلام لدى غير المسلمين، إذ إنه صلى الله عليه وسلم أوصاهم بالتيسير واجتناب التعسير، والتبشير دون التنفير، والرفق في الأمور كلها، وسلوك التدريج والتأني في البلاغ، والإعلام بأجمل الطرق وألطف الوسائل، واحترام حقوق الناس وممتلكاتهم وأموالهم، والبعد عن الظلم، والإضرار بالناس، مسلمًا كان أو غير مسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم في تحسين صورة الإسلام بالمضمون وبالشكل، فقد اختار سفرائه بعناية فائقة، لإرسال رسائله للملوك وكان من بينهم دحية بن خليفة الكلبي الذي أرسله إلى هرقل ملك الروم، وقد كان جميلاً ليعطي صورة مغايرة لما يعرفه الروم عن العرب من الجلافة وعدم الاهتمام بالمظهر مما جعله يتقبل دعوته ويسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم من يعرف من زعماء العرب وتظهر الصورة الذهنية التي انطبعت لديه من نقاشه مع أبي سفيان بن حرب.