كان النبي صلى الله عليه وسلم سباقا في مجال التربية والتوجيه والنصيحة، بأسلوب لم تصل البشرية لمثله في الأثر الواقع على أصحابه، فقد كان صلى الله عليه وسلم صاحب ذوق رفيع وخلق عظيم لا يعنف ولا يسب ولا يشتم بل كان رفيقا رقيقا ملك القلوب بخلقه صلى الله عليه وسلم .
ومن بين الأحداث التي كشفت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج بالحكمة واللين، مهما كان الأمر، وكيف يكون الأثر بهذه الحكمة النبوية، قصة الشاب الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يصرح له بالزنا، حتى غضب الصحابة من حديث الشاب مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الجرأة، وكادوا يفتكوا به، إلا أن النبي أمرهم بالهدوءي، وأخذ يعلمه ويقول له: " أترضا لأمك؟ قال لا، أترضاه لأختك، قال لا، أترضاه لعمتك، قال لا أترضاه لابنتك، قال لا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ونسائهم"، فخجل الشاب من نفسه وتاب توبة نصوحة.
إلا أن الصحابي خوات بن جبير رضي الله عنه، كان صاحب القصة المشهورة في أدب وحكمة النبي في توجيه أصحابه، وكيف يكون أثر هذه الحكمة النبوية، في تقويمهم، دون أن يسبب له إحراجًا أو ضيقًا، بل كان صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله رفيق بهم حتى وإن أخطئوا حتى يعيدهم إلى الصراط المستقيم.
يقول الصحابي الجليل خوات بن جبير رضي الله عنه وهو يحكي عن قصته مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان قبل إسلامه شاعرًا ويحب التغزل في النساء ومجالستهن ومفتون بحب الجلوس مع النساء.
وبعد أن أسلم وكان لا يزال حديث عهد بالإسلام، يقول خوات: "نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ الظهران –وهو مكان اسمه اليوم وادي فاطمة شمال مكة- فقال: فخرجت من خبائي فإذا أنا بنسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت عَيْبتي-حقيبتي- فاستخرجت منها حُلَّة –ملابس أنيقة- فلبستها وجئت فجلست معهنَّ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبته فقال لي: "أبا عبد الله ما يجلسك معهن؟!"، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هبتُه واختلطتُ -أي ارتبكت وخلطت الصواب بالخطأ-، قلت: يا رسول الله جمل لي شرد فأنا أبتغي له قيداً -أي: ضاع جملي فأنا أبحث عنه-.
وتابع الصحابي خوات: "مضى النبي صلى الله عليه وسلم واتبعته، فألقى إليَّ رداءه ودخل الأراك كأني أنظر إلى بياض متنه –ظهره- في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضأ، فأقبل والماء يسيل من لحيته على صدره، فقال: "أبا عبد الله ما فعل شِرَاد جملك؟" ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: "السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟" فلمَّا رأيت ذلك تعجَّلتُ إلى المدينة واجتنبتُ المسجد والمجالسة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلمـ فلمَّا طال ذلك تحيَّنت ساعة خلوة المسجد، فأتيت المسجد فقمت أصلي ـ لعله وقت الضحى.
وأضاف خوات: "خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعض حُجَره فجأة فصلى ركعتين خفيفتين وطوَّلت رجاء أن يذهب ويدعني فقال: طول أبا عبد الله ما شئت أن تطول فلستُ قائماً حتى تنصرف. فقلت في نفسي: والله لأعتذرنَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأبرئن صدره، فلما قال النبي: "السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد ذلك الجمل؟" فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلم -يعني نفسه أنه لم يرتكب معصية منذ أسلم- فقال: رحمك الله.. رحمك الله.. رحمك الله. ثم لم يعد لشيء مما كان، ليكن ذلك مثالًا رائعًا على كيفية تربية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقويمه لسلوك صاحبته الكرام رضي الله عنهم، دون أن يفضحهم أو يعنفهم أو ينفرهم من النصيحة.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها