كانت المدينة المنورة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تشتهر بالحمّى، وقد لاقى الصحابة منها عناءً عقب هجرتهم، وقد صرفها الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم.
معجزة نبوية:
عن سلمان رضي الله عنه أتت الحمّى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه فأذن لها، فقال: «من أنت؟» قالت: أم ملدم، أبري اللحم وأمص الدم.
فقال صلى الله عليه وسلم : "لا مرحبا بك، ولا أهلا .. أتريدين أهل قباء؟".
قالت: نعم، قال: اذهبي فأتتهم، فحمّوا، ولقوا منها شدة، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصفرّت وجوههم فشكوا إليه الحمى.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن شئتم دعوت الله عز وجل، فكشفها عنكم، وإن شئتم كانت لكم طهورا فأسقطت ذنوبكم"، قالوا: بل ندعها تكون لنا طهورا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت الحمّى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ابعثني إلى أحب قومك إليك، فقال: "اذهبي إلى الأنصار" ، فذهبت فضمت عليهم فصرعتهم، فقالوا: يا رسول الله، ادع الله لنا بالشفاء فدعا فكشفت عنهم، قال البيهقي: يحتمل أن هذا في قوم آخرين من الأنصار.
وقال الصحابي جابر بن عبد الله: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟» فقالت: أم ملدم فأمرها لأهل قباء فلقوا ما لا يعلمه إلا الله، فأتوه فشكوا ذلك إليه، فقال: «ما شئتم إن شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم، وإن شئتم تكون لكم طهورا» ، قالوا: أو تفعل؟ قال: «نعم» ، قالوا: دعها.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت إلى مكان يقال له "مهيعة"، فأولتها أن وباء المدينة نقل إليها.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهالطيفة:
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأرسلت الحمى بالمدينة، وأرسلت بالطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجز على الكافرين".
يقول الحافظ ابن حجر : لما رحل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان في قلّة من أصحابه فاختار الحمى، لقلة الموت بها على الطاعون، لما فيها من الأجر الجزيل ووالحمى تسفر عن "إضعاف الأجساد".
فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار، ثم استمر ذلك بالمدينة، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها.
حكايات أخرى:
روى البيهقي عن هشام بن عروة قال: كان وباء بالمدينة معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان بالوادي وباء فأشرف عليه الإنسان قيل له: انهق نهيق الحمار، فإذا فعل لم يضره وباء ذلك الوادي.
وعن عامر بن جابر، قال: كان لا يدخل المدينة أحد من طريق واحد من ثنية الوداع فإن لم يعشر بها أي ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد مات قبل أن يخرج منها، فإذا وقف على الثنية قبل أن يدخل ودع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد العبسي فقيل له: عشر بها فلم يعشر وأنشأ يقول:
لعمري لئن عشرت من خشية الردى.. نهاق حمير إنني لجزوع
ثم دخل فقال: يا معشر يهود، ما لكم وللتعشير؟ قالوا: إنه لا يدخلها أحد من غير أهلها، فلم يعشر بها إلا مات، أو لا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع إلا قتله الهزال، فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية.