ماريا بنت شمعون التي تعرف بـ مارياالقبطية إحدى أمهات المؤمنين وأحد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم،، أهداها له المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية ومصر للنبي، وأسلمت على يدي حاطب بن أبي بلتعة، وهو رسولُ رسولِ الله إلى المقوقس, عرض عليها حاطب بن أبي بلتعة الإسلام ، وهو قادم بها من مصر إلى المدينة، فكيف بدأتقصة إسلامها؟.
وجه النبي الرسل والسفراء لتبليغ الإسلام إلى ملوك الأرض، بعد أن تم للنبي عليه الصلاة والسلام معاهدة الحديبية، وما أعده من دعائم, لاستتباب الدولة الإسلامية الفتية، وتقوية هيبتها في النفوس، وكان صلى الله عليه وسلم في الوقت نفسه, يتحسس الموقف الدولي، ويتفهم أوضاعه، وفي ضوء ذلك أخذ النبي عليه الصلاة والسلام, يوجه الرسل والسفراء لتبليغ الإسلام إلى ملوك الأرض، لأن رسالة الإسلام عامة لكل البشر، قال تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[سورة الأنبياء الآية: 107].
من بين هؤلاء الملوك الذين أرسل إليهم النبي عليه الصلاة والسلام رسالة, يحثه فيها على الإسلام, المقوقس عظيم مصر، وجاء في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يدعوه فيه إلى الإسلام، هذا المقوقس كان من الأقباط, وذهب به حاطب حتى دخل مصراً فلم يجده هناك، فذهب إلى الإسكندرية، فأخبر أنه في مجلس مشرف على البحر، ركب حاطب سفينة، وحاذى مجلسه، وأشار بالكتاب إليه، فلما رآه المقوقس أمر بإحضاره بين يديه، فلما جيء به, نظر في الكتاب، وفضه، وقرأه وقال لحاطب:
((يا حاطب, ما منع نبيك إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه؟ قال له حاطب: ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله، فما له حيث أخذه قومه، فأرادوا أن يقتلوه ، ألا يكون قد دعا عليهم أن يهلكهم الله عز وجل حتى رفعه الله إليه؟ .
قال المقوقس: أحسنت، أنت حكيم من عند حكيم ، ثم قال له حاطب: إنه كان من قبلك يزعم أنه الرب الأعلى - يعني فرعون - فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به، ثم انتقم منه، -لأنه قد ورد أن الظالم سوط الله ينتقم به، ثم ينتقم منه، وقد الله عز وجل:﴿﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
وقال له: إن هذا النبي دعا الناس، فكان أشد عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منهم النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى عليهما السلام إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، بل نأمرك به .
فقال له المقوقس: إني نظرت في أمر هذا النبي, فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء، أي المستور والأخبار بالنجوى، وسأنظر، ثم أخذ الكتاب، وجعله في حق من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جاريته، وأرسل المقوقس إلى حاطب, فقال: القبط لا يطاوعني في اتباع نبيكم .
ثم أعطاه مئة دينار وخمسة أثواب، وأهدى المقوقس إلى النبي عليه الصلاة والسلام ماريا القبطية، وأختها سيرين، وغلاماً اسمه: مأبور، وبغلة شهباء، وأهدى له حماراً أشهب، كان أغلى شيء حمار أشهب، يقال له: يعفور، وفرساً، وأهدى إليه عسلاً من عسل بنهة، قرية في قرى مصر.
فلما عاد حاطب قافلاً, زوده المقوقس بكتاب للنبي عليه الصلاة والسلام, قال فيه المقوقس:((بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد بن عبد الله من مقوقس عظيم القبط, سلام عليك، أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبثياب، وأهديت لك بغلة كي تركبها, والسلام عليك)).
واختار النبي عليه الصلاة والسلام ماريا فاكتفى بها، ووهب أختها لشاعره حسان بن ثابت .
كيف استقبلت ماريا القبطية حياتها الجديدة؟
طار النبأ إلى بيوت النبي أن اختارمارياالقبطية لنفسه، وكانت شابة، وقد أنزلها في منزل الحارث قرب المسجد، وقد حاولت عائشة وضرائرها التعرف على هذه الجارية عن بعد، فعلمت عائشة باهتمام النبي بها، ولكنها لا تقدر على معارضة النبي، أو الإنكار عليه، لكنها راحت ترقب من بعيد مظاهر اهتمام النبي بهذه الجارية المصرية .
استقبلت ماريا حياتها الجديدة بنفس مشرقة مبتهجة، حيث حلّت مولاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مولاته ملك يمينه، وليست زوجته، وإنه لشرف عظيم، وزادها غبطة وسروراً: أن ضرب عليها الحجاب كشأن أمهات المؤمنين، وانصرفت بكليتها للاهتمام بالنبي صلى الله عليه وسلم التي تراه صنو المسيح, التي كانت تدين بدينه قبل إسلامه.
وكانت ماريا مشغوفة برسول الله، كما كانت هاجر مولاة إبراهيم مشغوفة بإبراهيم، وكانت ماريا أم ولد النبي عليه الصلاة والسلام، فقد آتاه الله منها ولداً اسمه إبراهيم تيمناً بأبيه إبراهيم.
وكانت رضي الله عنها تواقة, لتكون أم ولد, ليكون لها شرف الذرية من محمد, كما كان لهاجر شرف الذرية من إبراهيم عليه السلام .
تمضي الأيام طاوية ذكريات الأمل المتجدد في نفس ماريا, حتى أذن لها الله بالحمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحملت بإبراهيم، وقد حقق الله لها أمنيتها, فولدت ابن رسول الله الذي سماه باسم أبيه الكبير إبراهيم عليه السلام، نالت بذلك بغيتها، وتحققت رغبتها ، وكانت لها بذلك الحظوة الكبيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم, حيث أصبحت أم ولده الذي أعتقها من الرق، وسمت منزلتها, لتكون في مصاف أمهات المؤمنين، فيا لها من مكانة عالية.
سعدت هذه الزوجة الطاهرة أن تهب لنبي الله الولد من بعد خديجة التي لم يبق من أولاده إلا فاطمة رضي الله عنها، فقد تزوج النبي عليه الصلاة والسلام قبل ماريا بالكثير, غير أنهن لم ينجبن الأولاد .
تقول أم المؤمنين عائشة:((ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على ماريا، ذلك أنها كانت أسيرة عند رسول الله، وأنزلها أول ما قدم بها بيت للحارث بن النعمان, فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها, فجزعت، وكان عليه الصلاة والسلام يؤثرها ويحبها)).
اظهار أخبار متعلقة
وفي رواية: ثم رزقه الله منها الولد، وحرمنا منه، ولكن ماريا لم تطل سعادتها سوى عامين، بل أقل, حيث قدر الله تعالى ألاّ يكون رسوله صلى الله عليه وسلم أبا أحد من رجالكم، فكانت الفاجعة الأليمة أن توفى الله ولدها الوحيد إبراهيم، فقضى إبراهيم نحبه، وبقيت أمه من بعده ثكلى أبد الحياة .
وحزن النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم كثيرا، وقال:((إِنَّ الْعَيْنَ لتَدْمَعُ, وَالْقَلْبَ ليَحْزَنُ, وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يرضي رَبُّنَا, وَإِنَّا على فِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)).
وروت السيدة عائشة ((قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ, فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ)).
ولما شاع خبر وفاة إبراهيم, حصل كسوف للشمس، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال عليه الصلاة والسلام, ((إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ, لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ, وَلَا لِحَيَاتِه,ِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ)).
وبقيت ماريا صابرة راضية بقضاء الله وقدره, حتى نزل بها الخطب الجلل، ألا وهو وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، فأنساها ذلك حزنها على ابنها إبراهيم، وبقيت على العهد التي كانت عليه في حياته, حتى جاءها أجلها في عهد عمر سنة ستة عشر للهجرة رضي الله عنها وأرضاها .
ما هي الوصية التي أوصى النبي بها قومه بشأن مصر ؟
وقد حفظ الصحابة لماريا مقامها كما حفظوا وصية رسول الله في قومها، عَنْ أَبِي ذَرٍّ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ, وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ, فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا, فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا, فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا, أَوْ قَالَ: ذِمَّةً وَصِهْرًا)).