أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن مشروع مقترح القانون الذى أعدته هيئة كبار العلماء بالازهر مشروع أساسه الشرع الحنيف بمدارسه الفقهية المعتمدة، وحاول تحقيق التوازن قدر الإمكان بين الأطراف كافة، ووضع نصب عينيه مقاصد الشريعة الإسلامية ومصلحة الأسرة مجتمعة فى المقام الأول ومصلحة الطفل.
وجدَّد شيخ الأزهر في تصريحات له ، التأكيد على أن المرأة ظلمتها العادات والتقاليد ظلمًا كبيرًا، موضحًا أنه ليس للزوج أن يعاشر زوجته بغير المعروف، فمثل هذه العِشرة حرام على الزوج، وهذا ما يُفهم بوضوح شديد من قوله تعالى: "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" و"وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ" و"وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا" كلها أوامر تأمر بالمعروفومنع القرآن مضارة الزوجة حتى فى حالة كُره زوجها لها: "فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا".
ونبه الإمام الأكبر إلي وجود تقصير من العلماء فى تبليغ هذه الثقافة للمسلمين أو للأزواج، بل إن ما تم تبليغه أحكام شرعية مخلوطة بعادات وتقاليد وثقافة تتنكب هدى الإسلام وشريعته، فلم نركز على الحديث الشريف "النساء شقائق الرجال"، ولا على معاملة النبى لأزواجه، لأنه هو الذى بلَّغنا وجوب المعاملة بالمعروف، وأيضًا حين يقول النبى: «لا تُطلِّقوا النِّساء إلا من ريبة»، فهذا يعنى: لا يطلق الرجل زوجته إلا إذا دخل الخلاف فى قضية العِرض ومسألة الشَّرف ومسألة الكرامة.
مضي الدكتور أحمد الطيب للقول إن فهمنا للنصوص غلب عليه منطق العادة والتقاليد، وكان المفروض أن النصوص هى التى تقوم وتهذِّب العادات والتقاليد، وبسبب من ذلك أصبح هذا الموروث يمثل عقبة تقاوم نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية وتنحرف عن الاتجاه الصحيح للنصوص، التى نزلت لتحكم الواقع أو تهذبه، فهذا هو دور الوحى الالهى المعصوم، فنصوص الوحى نزلت لتقول للإنسان: أغلق هذا الباب، فهو باب فساد وافتح بابًا آخر، إنها نصوص متعالية لتصحيح العادات والتقاليد، بتغييرها أو رفضها أو تعديلها.
وأضاف شيخ الجامع الأزهر إن المشوار يبدأ من الخطوة الصحيحة لأننا مهما عدلنا ومهما أضفنا إلى قانون الأسرة دون أن يكون تحت نظرنا ما نراه من عوار فى التعامل مع شؤون الأسرة، فلن تجدى هذه المشروعات شيئًا، وقد باشر الأزهر إعداد مشروع قانون للأسرة "الأحوال الشخصية" انطلاقًا من واجبه الشرعى أولًا واختصاصه بمراجعة القوانين ذات الصلة بالشريعة الإسلامية وفق النص الدستورى ثانيًا.
وبين أن اتهام البعض للأزهر باتخاذ موقف متحيز مع المرأة ضد الرجل هو باطل جملة وتفصيلًا، فموضوع الأسرة محورى فى الإسلام وأساسه هو المرأة والرجل على السواء.
أكد الطيب أن الأزهر حين يكون الوضع متعلقًا بقوانين مصدرها القرآن والسُّنَّة والشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية التى هى المصدر الوحيد الذى يمكن أن تنطلق منه هذه الأحكام، وأعنى بها الأحوال الشخصية للأسرة من زواج ومن طلاق ومن ميراث... إلخ، حين يكون الأمر كذلك يجب شرعًا وعرفًا ودستورًا وقانونًا أن يتقدم بمقترحه الذى صاغه علماء ثقات، موضحًا أنه حين يتصدى الأزهر لتقديم مقترح قانون للأحوال الشخصية فهو يزاول عمله أو واجبه الأول بحكم الدستور وبحكم القانون وحتى بحكم العامة، لأن العامَّة لا تقبل أن يُقنِّن لها مَن لا علم له بشريعته أو بأمور الأسرة من زواج وطلاق وميراث وغيرها، وقد أرسلنا هذا المشروع للدراسة والمناقشة، والقرار النهائى فى يد البرلمان.
كان فضيلة شيخ الأزهر أصدر قرارًا فى 18 أكتوبر 2017 بتشكيل لجنة «لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المصرية المتعلِّقة بالأحوال الشخصية؛ لضمان توسيع نطاق الحفاظ على حقوق الأسرة المصريَّة».
اقرأ أيضا:
أخطأوا في حقك وجاؤوا معتذرين.. ماذا يجب عليك؟وعقدت اللجنة، التى ضمَّت قامات فقهية وقانونية رفيعة، أكثر من 30 اجتماعًا انتهت خلالها من صياغة مشروع القانون، وأحالته إلى هيئة كبار العلماء، أعلى مرجعية شرعية بالأزهر الشريف، التى أنهت مراجعته وأرسلته إلى الجهات المعنية بالدولة.
ويتكوَّن مشروع القانون من 192 مادة، استوعبت قضايا الأحوال الشخصيَّة فى صياغة تهدف إلى معالجة ما يعانى منه المجتمع من مشكلات تبحث عن حلول مُنصفة وناجزة، وذلك فى ضوء مقاصد الشريعة الإسلاميَّة، وبما يُواكب العصر الذى نعيش فيه ومستجداته، وفق المذكرة الإيضاحيَّة.