كانت للنبي صلى الله عليه وسلم مواقف كثيرة كلها تسامح وعفو عن مقدرة جعلت منه شخصية استثنائية في هذا المجال، ولو لم نأخذ من هذه المواقف سوى موقفه صلى الله عليه وسلم مع زيد بن سعنة اليهودي قبل أن يسلم، لعلمنا مدى حلمه ورحمته وتحريه للعدل حتى مع المخالفين في الدين.
فقد تحقق زيد بن سعنة وهو من أحبار اليهود من وجود كل علامات النبوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت اثنتان من علامات النبوة أراد أن يستوثق منهما بنفسه.
يقول زيد بن سعنة: "لم يبقَ من علامات النبوة إلا وقد عرفتُه في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما فيه: حلمه يسبق جهلَه ،ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حِلماً".
يضيف زيد بن سعنة: "فكنت أتلطّف له لأن أُخالطَه، فأعرف حِلمَه وجهلَه، فابتعت منه تمراً إلى أجل، فأعطيته الثمن، فلما كان قبل مجيء الأجل بيومين أو ثلاثة، أتيتُ محمداً صلى الله عليه وسلم فأخذت بمجامع قميصه، ورداؤه على عنقه، ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضيَنَّ يا محمد حقي؟ فوالله إنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطُل.
فنظر إليه عمر رضي الله عنه و عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، وقال: أي عدو الله تقول لرسول الله ما أسمع؟ فوالله لولا ما أحاذرُ فَوتَه لضربت بسيفي رأسك! فقال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر بسكون وتُؤَدَةٍ و تبسُّم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر: أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التِّباعة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم ” اذهب يا عمر فاقضِه حقّه وزِدْه عشرين صاعاً مكان ما رُعْتَهُ ” ففعل ذلك عمر رضي الله عنه ، قال زيد لعمر رضي الله عنه : و ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلاَّ أنّي كنت رأيت صفاته التي في التوراة كلّها إلا الحِلْم، فاختبرت حِلْمَه اليوم، فوجدته على وصف التوراة، وإني أُشهِدُك أن هذا التمر وشطرَ مالي إلى فقراء المسلمين، وأسلم زيد وأهل بيته كلهم إلا شيخاً كبيراً غلبت عليه الشّقوة.
ضرب النبي صلى الله عليهوسلم المثل في امتلاك النفس عند الإساءة إليه والصبر والحلم فهما خصلة من خصال العقل، قال أبو حاتم البستي في روضه العقلاء (208): " الحليم عظيم الشأن، رفيع المكان، محمود الأمر، مرضي الفعل".
لذلك الصحابي زيد بن سعنة كانت قصة إسلامه التي تستحق التوقف أمامها وتأملها، واستشعار ما تكتنزه من قيم محمدية وشمائل يندر وجودها في غيره من الناس، هذه القيم التي وللأسف تناساها الكثير من المسلمين في هذا الوقت مما فوت على المسلمين التأثير "الناعم" في غير المسلمين وجذبهم إلى دينهم بكل يسر وسهولة.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها