من المعروف أنه من أرق القلوب ، قلوب المذنبين حال العودة والرجوع إلا إلى الله، لما يجدونه من الانكسار والخضوع أمام ربهم، فترق قلوبهم وتلين نفوسهم.
عجائب الصالحين:
1-حكي عن بعض الصالحين أنه كان يقول في مناجاته: إلهي، كيف أفرح وقد عصيتك؟ وكيف أحزن وقد عرفتك؟ وكيف أدعوك وأنا خاطئ، وكيفا لا أدعوك وأنت كريم؟
2- وقيل: أذنب عبد لعبد العزيز بن عمر رضي الله عنهما ذنباً، فأوقفه بين يديه وأمر بضربه، فقال له: يا مولاي، أما بينك وبين الله تعالى ذنب فأمهلك فيه، فقال: وأي ذنب ما أمهلني، فقال: بالذي أمهلك إلا ما أمهلتني. فعفا عنه وتركه.
تم أذنب ثانياً، فأوقفه بين يديه وأمر بضربه، فقال: مولاي، أما عصيت الله تعالى ثانياً فأمهلك، قال: بلى، فقال: يا مولاي، بالذي أمهلك إلا ما أمهلتني، فعفا عنه وتركه.
ثم أذنب ثالثاً، فأوقفه بين يديه وأمر بضربه، فاًطرق برأسه إلى الأرض ولم يتكلم، فقال له سيده: ما بالك لا تقول القول الذي كنت تقوله في كل مرة،فقال: يا سيدي، منعني الحياء من كثرة ما أتوب ثم أعود.
3- قال الحسن البصري رضي الله عنه: رأيت رب العزة في المنام، فقلت له: اللهم اغفر لي، فقال: إن أحسنت فيما بقي غفرت لك فيما مضى، وإن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي.
4- وقال بعض الصالحين: رأيت شاباً وهو يقول: يا قديم الإحسان إحسانك القديم، فقلت له يوماً: أراك لا تغفل عن هذه الكلمة، فقال لي: لذلك سبب عجيب، وذلك أن من عادتي إذا كانت ضيافة أو عرس أبرز مثل النساء فأتقنع وأدخل بينهن وأجلس، فاتفق أن كان عرس في دار الأمير، فحضرت على العادة فضاعت جوهرة في دار الأمير، فأمر الأمير بتفتيش النساء، فكشفوا عن أقنعتهن، وأنا كنت أقول: يا قديم الإحسان إحسانك القديم، ونذرت مع الله نذراً إن سترني لا أعود إلى ذلك أبداً، فلما وصلوا إلي نودي في القوم: أن اتركوا البقية فقد وجدنا الدرة.. قال: فتبت من ذلك اليوم وعاهدت الله أن لا أعود.
5- وقال بعض الصالحين: رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس يساقون إلى الحساب، وأنا مع طائفة منهم عليهم الحلل والتيجان، فمروا إلى ساحل بحر فجلسوا، فأردت أن أجلس معهم، فقالوا: إليك عنا، فلست منا أطلب أصحابك المذنبين، فسرت قليلاً وإذا أنا بأقوام على كراسي من نور فأردت أن أجلس معهم، فقال لي قائل منهم: لا تجلس معنا اطلب أصحابك المذنبين.
يقول : فمشيت قليلاً وإذا أنا بأقوام عليهم ثياب رثة، ووجوه غيره مصفرة، فقالوا: اجلس معنا فأنت منا، فقلت: من أنتم؟ قالوا: " أصحابك المذنبين، فجلست معهم وبقيت متفكراً في أمري، وإذا بسفينة من الذهب الأحمر، وشراعها من السندس الأخضر، وإذا بمناد ينادي ويقول: هذه سفينة الأبرار المستغفرين بالأسحار، فقامت طائفة وقالت: لبيك داعي ربنا وسعديك، ثم ركبوا فرحين مستبشرين حتى غابوا عن أعيينا، ثم أقبلت سفينة من لؤلؤة بيضاء شراعها من السندس الأخضر، وإذا مناد ينادي ويقول: أين العلماء ورثة الأنبياء، فقالوا: لبيك داعي ربنا وسعديك، فركبوا حامدين شاكرين فرحين مستبشرين حتى غابوا من أعيننا ولم يبق على ساحل البحر غيرنا.
فبينما نحن في كرب شديد وغم وحزن ما عليه من مزيد، وإذا بسفينة قد أقبلت، وهي من الياقوت الأحمر وشراعها من السندس الأخضر، فتأملت الشراع فإذا هي مكتوب عليها: (ورحمتي وسعت كل شيء) ، ومناد ينادي ويقول: هذه سفينة الرحمة والتعطف، أين أهل العصيان والتخلف؟ فركبنا مستغفرين ذاكرين الله تعالى.
ولم نزل في الرجاء والامتنان حتى أشرفنا على وادي العفو والغفران، فجاءنا توفيق من الكريم المنان قد غفر لنا، فلما غفر لنا ما غفر لنا، وسر لنا ما سر لنا، ووهب لنا ما وهب لنا، حمدنا الله تعالى على منه وكرمه.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟