لا تجد فرجًا لأي هم وفكًا لأي كرب، مثلما تجده حينما يضيق صدرك وتهرع لذكر الله، فذكر الله له ثمرة في الدنيا جعلها الله حقا لموعوده، حينما بشر المؤمنين بقوله تعالى: " «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّه أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» الآية 28 من سورة الرعد.
ومعنى «تطمئن قلوبهم» أى: تسكن قلوبهم بذكر الله أنساً به، واعتماداً عليه، ورجاءً منه، أو بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته، أو بذكر دلائله الدالة على وجوده، أو بالقرآن الذى هو أقوى المعجزات، وجزاء لذلك، فالله سبحانه ينير بصائرهم، ويشرح صدورهم، ويفك كربهم ويفرج همهم فيحصلون على السعادة فى الدنيا والآخرة، فبذكر الله الذى له الجلال والإكرام وحده لا بذكر غيره تطمئن قلوب المؤمنين، ويثبت اليقين فيها، ويزول القلق والاضطراب من خشيته، بما يفيضه عليها من نور الإيمان الذى يذهب الهلع والوحشة.
لماذا نذكر الله؟
ربما تتفكر في هذا السؤال وهو لماذا أمرنا الله بذكره؟ ألا يكفي لنا أن نبتعد عن المنكر وألا نفعل الحرام، فيكون بذلك الإنسان بعيدا عن كل ما يدمر به معيشته، أم أن الإنسان في حاجة إلى ربه باستمرار، خاصة إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه بما حملت.
الذكر هو طلب معية الله سبحانه وتعالى، لذلك يقول ربنا عز وجل:" فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِى وَلَا تَكْفُرُونِ (البقرة - 152).
فأنت حينما تذكر الله عز وجل فهو لن يستفيد من ذكرك له، لأن الأعلى الأكبر لا يحتاج إلى ما هو أدنى وأصغر منه، لكن أنت تحتاج للذكر لأنك أنت من تحتاج إلى الله.. تحتاج إلى الله لكي يفك كربك وينجح أبناءك ويهدي قلبك ويشفي جسدك، ويرزقك المال الطيب، فهل يستطيع الجنين أن يستغني عن الرحم في بطن أمه؟!.. كذلك الإنسان لا يستطيع أن يستغني عن رحمة ربه، لذلك حينما تذكره فأنت تطلب المدد باستمرار منه، خاصة وأن الإنسان دائما ما يحتاج لربه في عمله وفي تربية أبنائه وفي طلب الرزق، وفي النجاة من البلاء والمصائب.
فالله هو الذي خلقنا وأوجدنا من العدم، ثم هو -سبحانه- هدانا إلى صراطه المستقيم، أخرجنا من ظلمات العدم إلى نور الوجود، ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، والله تعالى أمرنا أن نذكر نِعَمه علينا في غير ما آية من الآيات.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)[الأحزاب: 9]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[فاطر: 3].
دوافع ذكر الله
تأتي أهمية الذكر من كونه الرافد الدائم، للمخزون الإيماني، والمحرك الموقظ لدواعي الطاعة، والحصن الذي يلوذ به المؤمن حينما تداهمه المصائب، وتعترضه عقبات الطريق، فحينما يكون ذاكرا لله في كل أحيانه قد شغل نفسه وألزمها بأذكار وأوراد من تسبيح وتحميد وتهليل وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومداومة على المسنون من الأذكار فإن ذلك يبقي قلبه حيا، ويديم إيمانه نضرا يقظا، فإذا ما اعترته أهواء النفس البشرية التي بين جنبيه، أو اجتالته الشياطين التي لا تفتر عن محاربته وعداوته، انتفض ذلك القلب الذاكر شامخا بإيمانه، مستعليا على شهوات نفسه، مدافعا لنفثات الشيطان وهمزاته.
اقرأ أيضا:
ليست كلها ضدك.. أسباب تحول بينك وبين استجابة الدعاءوهذه الدوافع أكثر ما يدفعنا لذكر الله وعالى رأسها عشرة أسباب من بين ملايين الأسباب التي توجهنا لذكر الله فهي لا تنتهي، وأولها:
ذكر الله تعالى لأننا نحبّه، ونحتاج إليه، فمن أحب شيئًا أكثر من ذِكْره واللهج بالثناء عليه؛ فأنت لمجرد أنك تحب أحدا تحب أن تظل معه وتذكر دائما وتفكر فيه، فمابالنا بالله عز وجل الذي بيده مصائرنا وهو أرحم الراحمين بنا.
2/ نذكر الله لأنه أمرنا بذلك : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)[الأحزاب: 41]، وقال -تعالى-: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)[البقرة: 200].
3/ نذكر الله لأن ذكره حياة لقلوبنا واطمئنانا لها، يقول تعالى: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
4/ نذكره حتى يذكرنا، قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[البقرة: 152].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللهُ -عز وجلَ-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"(متفق عليه).
5/الذكر هو خير العمل فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ -تعالى-"(مسند أحمد).
6/ ذِكْر الله غراسُ الجنة؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَكْثِرُوا مِنْ غَرْسِ الْجَنَّةِ فَإِنَّهُ عَذْبٌ مَاؤُهَا طَيِّبٌ تُرَابُهَا، فَأَكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِهَا، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ".
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ"(أخرجه الترمذي 3464).
7/ ذِكْر الله طريق الفلاح: هل تريد أن تكون من المفلحين في الدنيا والأخرة، قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة:10].
8/ إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك فاذكر الله وقل: "يا الله"، إذا وقعت المصيبة وحلت النكبة و إذا ضاق صدرك، واستعسرت أمورك، فنادِ وقل: "يا الله"، إذا أُوصدت الأبواب أمامك، فنادِ وقل: "يا الله".
9/ النجاة من عذاب الله: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ، مِنْ ذِكْرِ اللهِ"، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْعَبْدُ آمِنٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ، مَا اسْتَغْفَرَ اللهَ".
10/التخلص من وساوس الشيطان؛ لأن الذكر حِصْنٌ حصينٌ من الشيطان عدوِّ أهل الإيمان، فمن عمله مع أهل الغفلة ما حكاه ربنا -عز وجل-؛ قال -تعالى-: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المجادلة: 19]، وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يَنْجُو مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ".
اقرأ أيضا:
دعوا الله بدون تكلف.. لن تتخيل جوائز السماء