خلق الله تعالى الدنيا وجعلها مزرعة لنا للآخرة، لكنه أمرنا فى الوقت نفسه بالحذر من حبها والركون إليها.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى تذم الدنيا.. فكيف نفهم علاقة المسلم فى الدنيا هل يحبها لانه مخلوق فيها ومأمور بالسعى فيها أم يكرهها ويبتعد عنها؟
بالنظر فى مجمل الأحاديث التي تبين علاقة المسلم بالدنيا يتضح أمران: الأمر الأول يظهر وجهها القبيح ومن ثم.
ذم الدنيا:
فقد ذم الله الدنيا، وزهد فيها، وبين أن الرضا بها، والركون إليها؛ ليس سبيل الموفقين. قال تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {النجم:29}.
لكن الأمر الثاني يظهر أن الدنيا لا تذم بإطلاق، وإنما تذم لما تجر إليه من معصية الله تعالى، وإلا فهي قنطرة الآخرة، والسبيل لتحصيل السعادة الأبدية فيها، ومعنى هذا أن العبد لو آمين علاقته بالدنيا وعمل على استثمار وقته فيها لما يرضي الله تعالى فإن هذا خير له من اعتزال الناس والزهد فيها.
حب الدنيا:
على أنه ينبغي أن يعلم أن مجرد حب الدنيا لا يكون كفرا، إلا إذا أوقع في الكفر، فمن ارتكب الكفر -والعياذ بالله- بسبب حبه للدنيا، وتقديمها على الآخرة؛ فهذا هو الكافر المخلد في النار، كالذين قال الله فيهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ {البقرة:86}، وهو ما أشارت إليه الأمانة العلمية لإسلام ويب.
حكم حب الدنيا:
وبينت أن من لم يبلغ حب الدنيا في قلبه أن يوقعه في الكفر، بل أوقعه في المعصية، فعليه إثم ما ارتكبه، فإن تاب؛ تاب الله عليه. ولم يذكر أحد من العلماء في بيان ما يوجب الردة أن من ذلك حب الدنيا.
وعليه فالمعتبر هو نوع الحب، وما يؤدي إليه، فمن أحب الدنيا لكونه يعبد الله فيها، ويعمرها بطاعته؛ فهو على خير، ومن أحبها وتمتع بما فيها من المباحات، فلم يخرج عن واجب، ولم يقع في محرم؛ فهذا لا له، ولا عليه. ومن أوقعه ذلك الحب في مخالفة؛ فحكمه بحسب ما وقع فيه من تلك المخالفة.
وأضافت أن الواجب على المسلم أن يجعل الآخرة أكبر همه، وغاية قصده، وأن يعلم أنه لم يخلق لهذه الدنيا، بل هي مجرد مرحلة سيتجاوزها -ولا بد-، وينتقل إلى ما وراءها.