أخبار

كيف أختار الصحبة الصالحة؟ .. د. عمرو خالد يجيب

كم لله من عبد صالح لا تعرفه.. حكايات مبكية

كيف تعالج نفسك من السحر بالقرآن الكريم؟

يبنون المساجد والمدارس ويكتبون عليها أسماءهم.. احرص على إخلاصك في العمل

أودع زوجي والدته دارًا للمسنين نزولًا على رغبتها ثم غضبت عليه.. ما العمل؟

صلاة تحرمك على النار وأخرى تنال بها الرحمة

ظالم أم مظلوم.. كم مرة ظلمت غيرك ولعبت دور الضحية؟

"نذر الطاعة".. سيف على رقبة صاحبه فلا تتلاعب به

ما حكم إنفاق الزوج على زوجته التي غادرت المنزل إلى بيت أبيها؟

في دينك ودنياك.. أيهما أفضل العمل بالعدل أم بالفضل؟

"العظماء الخمسة".. قرّاء أبدعوا في تلاوة القرآن وأعجزوا مَن بَعدَهُم

بقلم | أنس محمد | الخميس 18 ابريل 2024 - 05:50 ص


قديمًا قالوا: القرآن الكريم نزل في الحجاز، وقرئ في مصر، وكتب في تركيا، ولهذا القول أثر كبير من الصدق في نفوس الناس، فلا جدال حول مكان نزول القرآن في مكة والمدينة المنورة، ولا شك أن الأتراك هم أفضل من كتبوا القرآن الكريم، ليتبقى للمصريين عظمتهم في قرائته، بعد أن ظهر الرعيل الأول من عظماء قراء القرآن الكريم، ممن سجلوا بصوتهم تاريخًا عريقًا في القراءة، كأول جيل من العظماء لحقوا بقطار التسجيلات الصوتية، حيث لم يستحوذ سابقوهم على هذا الحظ في أن تخلد أصواتهم عبر هذا السحر الإذاعي، بالرغم من أن التاريخ ذكر أصوات قراء عظماء لم نسمعهم، من أمثال الشيخ محمد أحمد المتولي، والشيخ محمد مكي نصر، والشيخ علي محمد الضياع، والشيخ محمد خلف الحسيني، والشيخ عبد الفتاح القاضي، والشيخ عامر عثمان، والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات، وغيرهم من جهابذة القراءات.

العظماء الخمسة


هل سألت نفسك يومًا: ماذا لو لم تظهر التسجيلات الإذاعية لقراء القرآن الكريم؟، ونتعرف على أصوات من الجنة مثل الشيخ محمود خليل الحصري والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ محمود علي البنا، ماذا كان الحال لو لم نملأ قلوبنا برحيق أصواتهم، ونهيم في سماء روحانيتهم، ونتعلم منهم كيف نسمع القرآن وكيف يتلى؟.

بالتأكيد ربما كان في القديم من قرون مضت من هم أفضل صوتا من العظماء الخمسة، فقد عرفنا صوت الشيخ محمد رفعت مصادفة بعدما نجح أحد عشاقه أن يسجل بعض حفلاته على الهواء، من خلال جهاز تسجيل الاسطوانات القديمة، قبل أن نعرف تسجيل أصوات القراء في الإذاعة، ولكن بالتأكيد أيضا فقد كتب العظماء الخمسة تاريخا عظيما وفقهم الله عز وجل في كتابته من خلال معاصرة عصر التسجيلات الإذاعية والتلفزيون وإذاعة القرآن الكريم.

فقد بدأت قصة تسجيل القرآن الكريم، من عند رجل يسمى لبيب السعيد بعدما سمع صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لأول مرة عبر إذاعة القاهرة يقرأ المصحف المرتل بصوته العذب وطريقته الآسرة وأدائه الجميل، وكان له جمهوره الواسع المحب لسماعه، وكان مصحفه المرتل من أسباب إقبال الناس على سماع القرآن، وكانت القاهرة آنذاك عامرة بالقراء الأفذاذ من أهل الرواية والدراية بهذا الفن العظيم، الذين يملئون حلقات القرآن علما وجلالا، وتشد إليهم الرحال من أنحاء الدنيا كلها.

وورثت مصر هذا العلم العظيم منذ القرن الثامن الهجري، وتوافد عليها أفذاذ القراء، فكان أكثر ما يشغل لبيب السعيد أن نفقد تراث هؤلاء الأفذاذ كما فقدنا تراث سابقيهم، فهو تراث صوتي يضيع بموتهم ما لم يسجل. وعلى الرغم من انتشار التسجيل حينذاك، فإن أحدا لم يهتم بعمل تسجيلات صوتية لهؤلاء، فهدى لبيب السعيد تفكيره إلى مشروع “الجمع الصوتي”، يجمع فيه القرآن الكريم صوتيا بكل رواياته المتواترة والمشهورة غير الشاذة. ولما اختمرت الفكرة ووضع معالمها وكيفية تنفيذها تقدم في سنة (1379هـ= 1959م) إلى مجلس إدارة “الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم” التي كان يرأسها شخصيا.

فطلب من الشيخ محمود خليل الحصري أن يقرأ القرآن المرتل في حفل أقيم بقاعة المحاضرات الكبرى بالأزهر، فلاقت هذه التلاوة قبولا عند أغلب الحاضرين، واحتاج هذا المشروع العظيم إلى تمويل عالٍ، فعرض لبيب السعيد على الإذاعة المصرية التسجيل في أستديوهاتها، شريطة أن يكون لها الحق في أن تذيع من محطاتها ما يتم تسجيله لديها.

وتعثرت الجهود في تمويل المشروع أيضا بالإذاعة، ولم يتقدم أحد من الأثرياء لدفعه إلى الأمام، فتقدم صاحب المشروع إلى وزارة الأوقاف طالبا منها أن يجعل هذا المشروع تحت رعايتها المالية، فاستجابت على الفور، وتشكلت لجنة عامة للإشراف على تنفيذ هذا المشروع، ضمت عددا من رجال الشريعة والدعوة والقراءات، من أمثال الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ سيد سابق، والشيخ عامر عثمان المدرس بمعهد القراءات، وسجل الشيخ محمود خليل الحصري المصحف المرتل لأول مرة، برواية حفص، وفق الشروط والضوابط التي وضعتها اللجنة المشرفة على التسجيل، وكانت تضم عمالقة فن التجويد والقراءات في مصر، يتقدمهم الشيخ عامر عثمان، حتى أن اللجنة رغم تفوق و امتياز الشيخ الحصري في القراءة، كانت تستوقفه كثيرا ليعيد التسجيل على النحو النموذجي المطلوب.

ملك المقامات مصطفى إسماعيل


كان الشيخ مصطفى إسماعيل، من قاطني محافظة الغربية، لم يكن ليأخذ الشهرة التي نالها إلا بالمرور على القاهرة. لكن مروره على القاهرة كان في الغربية أيضًا. دُعي الشيخ الصغير صاحب الستة عشر عامًا للقراءة في عزاء سيكون فيه أعضاء الأسرة المالكة وأعيان مصر، عندما جاء دور الشيخ وصعد على كرسي القراءة ناداه أحد المقرئين محاولاً منعه من اللعب في مثل هذا الموقف. لكنَّ أحد أهل العزاء أخبر الشيخ أن هذا الشاب اليافع مدعوّ للقراءة مثله بالضبط، كان هذا اليوم يوم الموهبة.

فكان الشيخ مصطفى إسماعيل من أوائل المشايخ الذين سجلوا في الإذاعة المصرية دون اختبار.

ويميز الشيخ مصطفى إسماعيل أنهُ قرأ القرآن بتسعة عشر مقامًا بفروعها، يتنقل الشيخ بحنجرته الحانية بين المقامات بسلاسة وعذوبة، ربما لن تجدهما عند غيره من القراء، وسجل القرآن المرتل بصوته ليكون ثان قارئ يسجل القرآن المرتل بصوته ويذاع عبر أثير الإذاعة المصرية وإذاعة القرآن الكريم.

المنشاوي يرفض ثم يوافق


عرف الشيخ المنشاوي بعزة نفسه، وكثرة رفضه لبعض العروض التي ينال منها شهرة واسعة، فهو أول قارئ يرفض أن يقرأ للرئيس جمال عبد الناصر، ففي الفترة التي كان الجميع يخطبون ود الزعيم العربي الجديد جمال عبد الناصر، أرسل عبد الناصر أحد وزرائه للشيخ لإحياء حفل سيكون الرئيس فيه. قال الوزير للشيخ: سيكون لك شرف القراءة أمام الرئيس، كان رد الشيخ: ولماذا لا يكون الرئيس هو الذي سينال شرف سماع القرآن من الشيخ المنشاوي؟ رفض الشيخ إحياء الحفل.

كما رفض أن تجري الإذاعة اختبارا له من أجل التقدم بصوته لتسجيل القرآن المرتل، وفي فترة الستينيات عرض عليه أحد الموسيقيين أن يلحِّن له القرآن، مخبرًا الشيخ أنَّهُ هو الوحيد الذي سيقبل صوته الموسيقى، كان ردّ الشيخ حاسمًا: يا سيدي لقد أخذتُ الموسيقى من القرآن الكريم، فكيف تلحن أنت القرآن بالموسيقى؟.

وأرسلت الإذاعة إلى الشيخ المنشاوي ليتقدم للاختبار بالإذاعة، وإذا جاز الاختبار سيتم اختياره كمقرئ للإذاعة. كان الاختبار للشيخ المنشاوي ولوالده الشيخ صديق المنشاوي، رفض الأب وابنه معًا العرض. في أحد ليالي القراءة انتقلت الإذاعة بنفسها للحفل الذي يحييه الشيخ المنشاوي وسجلت له. طلبتهُ هذه المرَّة ليصبح قارئًا للإذاعة دون إجراء أي اختبارات لكنه رفض. لولا تدخل أحد معارف الشيخ وإقناعه بالتسجيل للإذاعة، قبل تسجيله للإذاعة المصرية كان الشيخ قد سجَّل لإذاعتي لندن وسوريا.

ويُعرف الشيخ المنشاوي بالصوت الحزين، الطائر الحزين الذي هبطَ صوتهُ من الجنَّة ليلمس قلوب الناس فتحلِّق إلى السماء، بساطة الشيخ وتواضعه كانا من أهم صفاته.. والده وعمه كانا سببًا في تكوينه. أخوه الذي توفي في حادث وهو في مقتبل شبابه ربما كان أحد أسباب صوته الحزين. كان الشيخ يمشي في الشوارع كأي إنسان، لا يحب أن يركب سيارته التي اشتراها بسبب تنقلاته المتكررة خارج القاهرة.

عبد الباسط عبد الصمد


ولد القارئ الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد عام 1927 م بقرية المراعزة التابعة لمركز أرمنت بمحافظة قنا بجنوب الصعيد. حيث نشأ في بيئة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويداً. فالجد الشيخ عبد الصمد كان من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد هو الشيخ محمد عبد الصمد، كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا. أما الشقيقان محمود وعبد الحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما الأصغر سنًّا عبد الباسط وهو في السادسة من عمره.

التحق الطفل الموهوب عبد الباسط بكتاب الشيخ الأمير بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن استقبال؛ لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يُتلَى بالبيت ليل نهار بكرةً وأصيلاً.

يقول الشيخ عبد الباسط في مذكراته: "كانت سنّي عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفًا بوزارة المواصلات، وكان جدي من العلماء فطلبت منهما أن أتعلم القراءات فأشارا عليَّ أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ (محمد سليم) ولكن المسافة بين أرمنت إحدى مدن جنوب مصر وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جداً، ولكن الأمر كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر، وقبل التوجه إلى طنطا بيومٍ واحدٍ علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى (أرمنت) ليستقر بها مدرسًا للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت واستقبله أهل أرمنت أحسن استقبال واحتفلوا به؛ لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل العلم والقرآن، وكأن القدر قد سَاقَ إلينا هذا الرجل في الوقت المناسب. وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم (بأصفون المطاعنة) فكان يحفظ القرآن ويعلم علومه والقراءات. فذهبت إليهِ وراجعت عليه القرآن كله، ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع".

 ومع نهاية عام 1951 طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبد الباسط أن يتقدم إلى الإذاعة كقارئ بها ولكن الشيخ عبد الباسط أراد أن يؤجل هذا الموضوع نظراً لارتباطهِ بمسقط رأسه وأهله ولأن الإذاعة تحتاج إلى ترتيب خاص. ولكنه تقدم بالنهاية.

وبسبب التحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديو وتضاعف إنتاجها في ذلك الوقت وانتشرت بمعظم البيوت للاستماع إلى صوت الشيخ عبد الباسط، وكان الذي يمتلك (راديو) في منطقة أو قرية من القرى كان يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى يتمكن الجيران من سماع الشيخ عبد الباسط وهم بمنازلهم وخاصة كل يوم سبت على موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى الثامنة والنصف مساءً.

محمود علي البنَّا.. الصوت الحنون


هذا ما كان يرددهُ والده، ما كانت تسعى إليه والدته، الاهتمام الزائد بالفتى الضعيف محمود، في الكُتَّاب كان محمود الصغير يخاف من شيخه، يحفظ القرآن ويكتب ما حفظ، وحين يسهر لكتابة واجبه تحنو أمُّه وتطالبه بالنوم، فيرفض لأنه يخاف شيخه، هذا ما حكاه الشيخ محمود علي البنَّا.

نشا البنا في محافظة المنوفية، لكنه كسابقيه كانت بدايته من محافظة الغربية، حيث درس العلوم الشرعية بالجامع الأحمدي بمدينة طنطا، بدأ في تعلم القراءات، ولأنَّ الشيخ لم تكن له أية ميول علمية فقد كان دائمًا على موعد مع الرسوب في مواد العلوم والرياضيات، إلى أن تلقى نصيحة شيخه بتعلم القراءات واحترافها، فكان ما طلب الشيخ منه.

 اعتمد الشيخ محمود علي البنا كمقرئ لجماعة الشبان المسلمين، ثم كانت النقلة النوعية حين استمع إليه رئيس الوزراء علي ماهر باشا والأمير المغربي عبد الكريم الخطابي وطلبا منه التسجيل بالإذاعة المصرية. وكان الظهور الأول للشيخ البنا في الإذاعة عام 1948.

توفي والد الرئيس جمال عبد الناصر، فاختاروا الشيخ محمود علي البنا للقراءة في جنازته، في اليوم التالي للجنازة طالبوا الشيخ محمود بالمكوث في الإسكندرية لأن الرئيس موجود ويريد أن يسمع قرآنًا، لربما اختاروا الشيخ البنا إذن للقراءة في مأتم والد الرئيس وللقراءة للرئيس نفسه بسبب صوته الحنون.

تنقَّل الشيخ بين المساجد الكبرى قارئًا لها، على عادة المقرئين الكبار في تلك الفترة فعين قارئًا لمسجد الرفاعي ثم للمسجد الأحمدي بطنطا، ثم في جامع الحسين بالقاهرة، وطلب منه رئيس الوزراء في عصر الرئيس جمال عبد الناصر أن يذهب للإذاعة لتسجيل القرآن بصوته، فقال له إنه لم يعرض عليه من الإذاعة أن يسجل القرآن، فأمر رئيس الوزراء الإذاعة تسجيل صوت الشيخ البنا للقرآن المرتل على غرار سابقيه الكبار، فسجله بصوته العذب، وقد توفاه الله عام 1985.


الكلمات المفتاحية

مصطفى إسماعيل محمود علي البنَّا عبد الباسط عبد الصمد محمد صديق المنشاوي محمود خليل الحصري

موضوعات ذات صلة

الأكثر قراءة

amrkhaled

amrkhaled قديمًا قالوا: القرآن الكريم نزل في الحجاز، وقرئ في مصر، وكتب في تركيا، ولهذا القول أثر كبير من الصدق في نفوس الناس، فلا جدال حول مكان نزول القرآن في م