تقلد القضاء بمدينة واسط العراقية رجل ثقة كثير الحديث ، قيل إنه أكره على القضاء .
ومن عجيب ما قضى فيه بفطنته وذكائه أنه جاءه رجل فاستودع بعض الشهود كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف دينار.
فلما حصل الكيس عند الشاهد، وطالت غيبة الرجل، قدر أنه قد هلك، همّ بإنفاق المال، ثم احتال ففتح الكيس من أسفله وأخذ الدنانير وجعل مكانها دراهم وأعاد الخياطة كما كانت.
عودة الرجل وذكاء القاضي:
وقدر أن الرجل - صاحب المال- ظهر وطالب الشاهد بوديعته فأعطاه الكيس بختمه.
فلما حصل في منزله فض ختمه فصادف في الكيس دراهم فرجع إلى الشاهد، وقال له: عافاك الله، اردد عليّ مالي فاني استودعتك دنانير والذي وجدت دراهم مكانها.
فأنكر ذلك واستعدى عليه القاضي، فأمر بإحضار الشاهد مع خصمه.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟الفصل في الخصومة:
فلما حضرا سأله: منذ كم أودعته هذا الكيس؟ قال: منذ خمس عشرة سنة، فأقبل على الشاهد، فقال: ما تقول؟
قال: صدق هو عندي منذ خمس عشرة سنة، فأخذ القاضي الدراهم وقرأ شكلها فإذا هي دراهم منها ما قد ضرب منذ سنتين وثلاثة ونحو ذلك فأمره أن يدفع الدنانير إليه فدفعها إليه أو مكانها وأسقطه.
فقال له: يا خائن ونادى مناديه: ألا إن فلان بن فلان القاضي قد أسقط فلان بن فلان الشاهد، فاعلموا ذلك ولا يغترّ به أحد بعد اليوم، فباع الشاهد أملاكه بواسط، وخرج منها هاربا فلا يعلم عنه خبر، ولا أحس منه أثر.
القاضي إياس الذكي:
ومثله وقع مع القاضي إياس الذكي، حيث دارت أحداث قصة مماثلة ، تكشف أهمية ذكاء القاضي وحكمته، حيث أراد رجل السفر، فذهب يبحث عن صديقه، يستودعه أمواله عنده، فوجده تحت شجرة بعيدة فأعطاه المال.
وعندما عاد الرجل أنكر صديقه تلك الأمانة، فذهب للقاضي وشكاه فاستدعاه القاضي فأنكر معرفته لهذه الشجرة.
فطلب القاضي من الشاكي: أن يذهب لشجرة ويخرج المال، وجلس الصديق بجانب القاضي، فسأله القاضي بعد فترة: هل وصل صديقه قد إلى الشجرة أولاً؟
فأجابه: بلا، فقال له القاضي إذن تعرف مكانها وعاقبه على الخيانة.