من المواقف التي يتلعثم فيها الإنسان، ويعجز اللسان فيها عن التعبير حينما تكن من المحظوظين بزيارة روضة النبي صلى الله عليه وسلم وقبره الشريف، فماذا تقول وأنت واقف أمام حضرة النبي في هذا الموقف الجليل، ومن أي الكلمات تتخير، لكي يسمعها الحبيب صلى الله عليه وسلم، حيث يشتاق ملايين بل مليارات المسلمين لزيارة روضة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن زيارته من أهمّ القربات، وأربح المساعي.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّىٰ أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ».
فمن أداب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر الإنسان من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فإذا وقعَ بصرُه علٰى أشجار المدينة وحَرمِها وما يَعرفُ بها زاد من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وسألَ اللّه تعالىٰ أن ينفعَه بزيارته صلى الله عليه وسلم ، وأن يُسعدَه بها في الدارين.
ومن أداب الزيارة أيضا أن يقل الزائر: (اللَّهُمَّ افْتَحْ عَليَّ أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَارْزُقْنِي في زِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم ما رزقْتَهُ أوْلِياءَكَ وأهْلَ طَاعَتِكَ، واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْرَ مَسْؤُول).
وإذا أراد دخول المسجد استحبّ أن يقولَ ما يقوله عند دخول باقي المساجد، فإذا صلّىٰ تحية المسجد أتىٰ القبر الكريم للنبي صلى الله عليه وسلم فاستقبله واستدبر القبلة علىٰ نحو أربع أذرع من جدار القبر، وسلَّم مقتصداً، لا يرفع صوته، ويقول: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللّه! السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيرَةَ اللّه مِنْ خَلْقِهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ! السَّلامُ عَلَيْكَ وَعلىٰ آلِكَ، وأصْحابِكَ، وأهْلِ بَيْتِكَ، وَعَلىٰ النَّبيِّينَ وَسائِرِ الصَّالِحِينَ؛ أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ مَا جَزَىٰ رَسُولاً عَنْ أُمَّتِهِ».
اقرأ أيضا:
الاستغفار ينقي الظاهر والباطن تعرف على ثمراتهورد عن ابن عمر، أنه كان يقف علٰى قبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويقول: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عُمَر، وهو موقوف صحيح.
وعن مالك يقول: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. وهذا الوارد عن ابن عمر وغيره، مال إليه الطبري فقال: وإن قال الزائر ما تقدم من التطويل فلا بأس به؛ إلا أن الاتباع أولٰى من الابتداع ولو حَسُنَ.
وإن كان قد أوصاه أحدٌ بالسَّلام علىٰ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (السَّلام عليك يا رسولَ اللّه من فلان بن فلان!).
ثم يتأخرَ قدر ذراع إلٰى جهة يمينه فيُسلِّم علىٰ أبي بكر رضى الله عنه، ثم يتأخرُ ذراعاً آخرَ للسلام علىٰ عُمر ، ثم يرجعُ إلىٰ موقفه الأوّل قُبالة وجهِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيتوسلُ به في حقّ نفسه، ويتشفعُ به إلىٰ ربه سبحانه وتعالٰى، ويدعو لنفسه ولوالديه، وأصحابه وأحبابه، ومَن أحسنَ إليه وسائر المسلمين، وأن يَجتهدَ في إكثار الدعاء، ويغتنم هذا الموقف الشريف، ويحمد اللّه تعالىٰ، ويُسبِّحه ويكبِّره ويُهلِّله، ويُصلِّي علىٰ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويُكثر من كل ذلك.
ثم يأتي الروضةَ بين القبر والمنبر، فيُكثر من الدعاء فيها، فقد روىٰ البخاري ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ت عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ».
وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبّ أن يُودِّع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحبّ، ثم يأتي القبر فيُسلّم كما سلَّم أوّلاً، ويُعيد الدعاء، ويُودّع النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ، وَيَسِّرْ لي العَوْدَ إِلىٰ الحَرَمَيْنِ سَبِيلاً سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَارْزقْنِي العَفْوَ والعَافِيةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وَرُدَّنا سالِمِينَ غانِمِينَ إلىٰ أوْطانِنا آمِنِينَ».
جاء أعرابيٌّ عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول اللّه! سمعتُ اللّه تعالىٰ يقول:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾([2]) وقد جئتُك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلىٰ ربي، ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالقاعِ أَعْظُمُهُ
فطَابَ مِن طِيبِهِنَّ القاع وَالأَكمُ
نَفْسِي الفِدَاءُ لقبرٍ أَنتَ سَاكِنُهُ
فِيهِ العَفافُ وفيهِ الجودُ والكَرَمُ