يبين الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أن الملثمين من (الصنهاجة)، كانوا على دين المجوسية إلى أن ظهر فيهم الإسلام في المائة الثالثة للهجرة، وجاهدوا جيرانهم من السودان على الإسلام، فدانوا لهم، واستوثق لهم الملك.
وأضاف في بحثه المميز عن دولة المرابطين أنه قد نجح (يحيى بن عمر بن تلاكاكين) من رؤساء (صنهاجة) وأخوه (أبو بكر) فانضما إلى الفقيه (عبد الله بن ياسين) واقتحموا عليه عزلته، ومضوا به بعيداً عن الناس في ربوة، ينهلون من علمه، منفردين للعبادة، فيلحق بهم من دخل الإيمان قلبه، حتى إذا ما كمل عددهم ألفاً من الرجال، قال لهم شيخهم(عبد الله بن ياسين) "إن ألفاً لن تغلب عن قلة"، وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه، وحمل الكافة عليه، فاخرجوا بنا لذلك.
ويستطرد د. "عويس" أنهم قد خرجوا من الصحراء (سنة 445هـ) في عدد ضخم ركباناً على المهارى أكثرهم، وعمدوا إلى (درعة)، ونهض إليهم (مسعود بن وادين) أمير (مغراوة)، وصاحب (سجلماسة)، و(درعة) لمدافعتهم عنها وعن بلاده، فتواقعوا، وانهزم (ابن وانودين) وقتل، وقصدوا (سجلماسة) فدخلوها غلاباً، وقتلوا من كان بها من (مغراوة)، وقد أصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات، وأسقطوا المغارم والمكوس، واقتضوا الصدقات، واستعملوا عليها منهم، وعادوا إلى صحرائهم، ومات يحيى بن عمر (سنة 447هـ) وقدم مكانه أخاه (أبو بكر)، وندب (المرابطين) إلى فتح المغرب، فغزا بلاد (السوس) سنة (448هـ)، وافتتح (ماسة)، و(تارودانت) وجميع معاقله، ثم افتتح مدينة (أغمات) سنة (449هـ).
وأضاف: لقد تابع (أبو بكر) فتوحاته، واستولى على (ماسة)، و(تارودانت)، وبلاد المصامدة في (جبال درن)، و(تامستا)، و(إنفا) من جهات الريف المغربي (بسام العسلي : المعتمد وابن تاشفين، ص36 وما بعدها، دار النفائس ـ بيروت) .
وتابع (أبو بكر) قيادة الجهاد فافتتح (لواته) سنة (452هـ)، وحدث خلاف عندها بين (لمتونة)، و(مسوفة) ببلاد الصحراء، فخشى أبو بكر اختلاف الكلمة، وتفرق الشمل، وأسرع بالعودة إلى الصحراء، بعد أن ترك على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين، ونجح أبو بكر في إخماد نار الفتنة، وتوجيه قومه إلى جهاد السودانيين، فاستولى على نحو تسعين مرحلة من بلادهم.
وكان قد أقام (يوسف بن تاشفين) بأطراف المغرب، واستنزل صاحب قلعة (فاس)، وأخذ رهنها على الطاعة، ثم سار في عسكره من المرابطين، ودوخ أقطار المغرب، واختط مدينة (مراكش) سنة (454هـ) ونزلها بالخيام، وأدار أسوارها على مسجد، وقصبة صغيرة لاختزان أمواله وسلاحه، وأكمل تشييدها وأسوارها ابنه من بعده سنة (526هـ)، وجعل يوسف مدينة (مراكش) لنزل عسكره .
وفي سنة (462هـ) نازل (فاس) ؛ التي تمردت عليه، فحاصرها مدة، ثم افتتحها عنوة .
ثم نهض سنة (467هـ) إلى جبال (غياثة)، وبنى (مكود من أحواز تازا) فافتتحها ودوخها، ثم قسم المغرب عمالات على بنيه وأمراء قومه وذويه (المرجع السابق، ص38 وما بعداها).
ثم نهض في عساكره (المرابطين) إلى بلاد المغرب الأوسط، فافتتح مدينة (وجدة) وبلاد بني (يزتاسن)، وافتتح مدينة (تلمسان) فصارت ثغراً لملكه، وافتتح مدن (تنس)، و(وهران)، و(جبل وانشريس) حتى (الجزائر ـ العاصمة) .
وهكذا كان يوسف بن تاشفين وابن عمه أبي بكر بن عمر صاحبي الفضل في توجيه المغرب إلى الإسلام.