يبين الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أنه في عصر ملوك الطوائف (422 ـ 479هـ) كانت الأندلس في الحضيض سياسياً ودينياً .
ويذكر د. عويس ما ذكره (المقـّري) صاحب (نفح الطيب) قائلا: "لقد طرقت الدهياء ذلك القطر الأندلسي ؛ الذي ليس له في الحسن مثال، ونسل الخطب إليه من كل حدب وانثال ، وكل ذلك من اختلاف رؤسائه وكبرائه، ومقدميه، وقضاته وأمرائه ووزرائه، فكل يروم الرياسة لنفسه ، ويجر نارها لقرصه ، والنصارى ـ لعنهم الله تعالى ـ يضربون بينهم بالخداع والمكر والكيد ، ويضربون عَمْراً منهم بزيد، حتى تمكنوا من أخذ البلاد ، والاستيلاء على الطارف والتلاد ... ومن استقرأ التواريخ المنصوصة، وأخبار الملوك المقصوصة ، علم أن النصارى، لم يدركوا في المسلمين ثاراً، ولم يرحضوا عن أنفسهم عاراً ، ولم يخربوا من الجزيرة منازل ودياراً ، ولم يستولوا عليها بلاداً جامعة وأمصاراً إلا بعد تمكينهم لأسباب الخلاف، واجتهادهم في وقوع الافتراق بين المسلمين والاختلاف، وتضريبهم بالمكر والخديعة بين ملوك الجزيرة ، وتحريشهم بالكيد والخلابة بين حماتها في الفتن المبيرة ، ومهما كانت الكلمة مؤتلفة ، والآراء لا مفترقة ولا مختلفة ، والعلماء بمعاناة اتفاق القلوب إلى الله مزدلقة ، فالحرب إذ ذاك سجال ، ولله تعالى في إقامة الجهاد في سبيله رجال، ولا أمل للطاغية (الحاكم) من حكام ملوك الطوائف إلا في التمرس بالإسلام والمسلمين، وإعمال الحيلة على المؤمنين ، وإضمار المكيدة للموحدين ، واستبطان الخديعة للمجاهدين ، وهو يظهر أنه ساع للوطن في العاقبة الحسنى، وأنه منطو لأهله على المقصد الأسنى، ومهتم بمراعاة أمورهم ، وناظر بنظر المصلحة لخاصتهم وجمهورهم ، وهو يسير حسواً في ارتقائه ، ويعمل الحيلة في التماس هلاك الوطن وابتغائه ، فتباً لعقول تقبل مثل هذا المحال ، وتصدق هذا الكذب بوجه أو بحال ، وليت المغرور ؛ الذي يقبل هذا أن يفكر في نفسه ، ويعرض هذا المسموع على مدركات حسه.
يضيف: يقول (المقري): "يعلل أهل الأندلس أنفسهم بالباطل ، وإن من أدل الدلائل على جهلهم اغترارهم بزمانهم وبعدهم عن طاعة خالقهم ، ورفضهم وصية نبيهم ، وغفلتهم عن سد ثغورهم ، حتى أطل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم ، يجوس خلال ديارهم ، ويستقري بسائط بقاعهم ، ويقطع كل يوم طرفاً ، ويبيد أمة ، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم ، لهاة عن بثهم .
ولم تزل آفة الناس مذ خلقوا في صنفين هم كالملح ، فيهم الأمراء والفقهاء ، بصلاحهم يصلحون ، وبفسادهم يفسدون ، فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له ، ولا مخلص منه ، فالأمراء القاسطون قد نكبوا عن نهج الطريق ذياراً عن الجماعة، وجرياً إلى الفرقة ، والفقهاء أئمتهم صموت عنهم، صدوف عما أكده الله تعالى عليهم من التبين لهم ، فما القول في أرض فسد ملحها الذي هو المصلح لجميع أغذيتها، وما هي إلا مُشفية من بوارها ، ولقد طما العجب من أفعال هؤلاء الأمراء".