مرحبًا بك يا عزيزتي..
كان الله في عونك سيدتي الأم الطيبة وعون ابنك أيضًا، فهذه المرحلة سميت بأنها "مراهقة" لأنها بالفعل "مرهقة" للشخص نفسه وذويه.
وبحسب الاختصاصيين، فإن الكثير من التصرفات التي نصفها بأنها "غير مؤدبة" للمراهق هي جزء من عملية اكتشافه لنفسه كشخص مستقل، وهذا ليس عيبًا فيه، ولن يصاحبه بقية حياته، ولكنها فقط مرحلة نمو.
ففي هذه المرحلة الانتقالية بين الطفولة والنضج، يتغير سلوك المراهق، ودماغه من حيث التركيب والعمل، ومن ثم تصيبه التقلبات المزاجية، التي تجعله فظًا، وحساسًا بشكل زائد، وغالبًا ما يقل احترامه لوالديه عن ذي قبل.
إن المشكلة لا تخص ابنك وحده، ولا تخصك وحدك، بل تحدث لدى جميع الأسر مع فروق فردية وأخرى ثقافية تختلف من مجتمع لآخر.
ومن هنا، أنت مطالبة يا عزيزتي بتفهم ما يمر به ابنك، نعم، هو لم يعد المطيع، الودود، من يسمع الكلام، لأنه ببساطة لم يعد طفلًا، بل شخص على طريقه لأن يصبح ناضجًا، راشدًا.
نعم من حقك الغضب بشأن الفظاظة، والوقاحة، لكنها ليست بسبب شخصية ابنك، وليست دائمة، هي مرحلة عنيفة وستمر، فالمراهق بسبب التغيرات التي ذكرتها لك لا يستطيع التعامل كما الراشد بسيطرة على مشاعرة نتيجة لسرعة تغيرها، ولا التحكم في ردود أفعاله أيضًا، فيتحول هذا كله لصور تعبير وقحة وفظة، وقد يصبح شديد الحساسية بشكل زائد.
في الطريق لأن يصبح ابنك شخصًا ناضجًا راشدًا، لابد أن يتعلم كيف يعبر عن أفكاره باستقلالية، وكيف يتعامل مع الإختلاف في الرأي ووجهات النظر، وكيف يصبح قادرًا على اتخاذ قراراته، ويخطط لمستقبله، زيقابل كل المعطيات في الحياة بتفكير نقدي، ويجرب، ويستكشف، ويحاول، فيفشل، وينجح، ومن ثم فلابد أن يدفع كل هذه الأثمان!
ما نراه نحن كآباء وأمهات "عنادًا"، و "تمردًا"، هو محاولة للاستقلالية العاطفية من جانب الأبناء، بفرض وجهة نظرة ورؤيته ورأيه وبتحدي ليثبت وجوده ولو من خلال الصراع والشجار!
وأخيرًا، ليس المطلوب منك الاستسلام لهذا كله يا عزيزتي وإنما التفهم، والاستجابة بوعي، ربما ابنك "مهزوزًا" بسبب مرحلته والمطلوب منك ألا تتجاوبي مع اهتزازاته بل تقابليه بثبات ووعي، وتجاوب ومرونة، وفي ظل هذا الوضع سيكون انتقاله للنضج أسلم وأكثر سهولة وأقل حدة.
اقبلي أنه لم يعد بالفعل الطفل الذي ربيته، هذا واقع، وحقيقة، ومنطقي للغاية، وأنها سيتغيير، بل هو بالفعل يتغير، وهذا منطقي وواضح ولابد من قبوله، والتعامل وفقه، لا وفق الماضي.
تغيري أنت أيضًا، وذلك بمراعاة احتياجات المراهق التي تختلف عن احتياجات الطفل.
فالمراهق يحتاج إلى الثقة، الحب، المشاركة، لا التوجيه، والأمان، واتخاذ القرارات بالنيابة، وهكذا، فانتقال ابنك يستلزم تجاوبك مع انتقاله بالانتقال له، لا الثبات عند مرحلة فائتة، ولا التعامل مع فظاظته على أنها عدم احترام متعمد أو إهانة شخصية ومن ثم الدخول معه في معركة خاسرة.
وأخيرًا وازني يا عزيزتي بين تفهمك لمرحلة ابنك، وكسبك له باحترامك لشخصه وللعلاقة، وحبك له، وانصاتك بتعاطف، وبين ضرورة ضبط الأمور إذا ما خرج التوقح أو الفظاظة عن خطوطه الحمراء، ووصل إلى حد خرق قواعد وأخلاقيات ومعالجة الأمر بحسم وصرامة.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.