عجيبة أمر هذه الدنيا، فترى فيها أن الفاشل دائمًا (متكبر)، بينما المتفوق (متواضع)، وكأن الطريق إلى النجاح يلزمه تواضع جم، بينما الفشل لا يعرف سوى التعالي والكبرياء!.
وفي ذلك يقول الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله: «لا يتواضع إلاّ من كان واثقاً بنفسهِ ولا يتكبَّر إلا من كان عالماً بنقصهِ.. املك من الدنيا ما شئت، لكنك ستخرج منها كما جئت.. فازرع دَاخِل الجَميع شَيئاً جميلاَ فإنْ لم يكُن حُبَّاً فَلْيَكُن احتِرامَا»، فالشخص المتواضع لا يعتقد أن العالم يدين له بشيء، ولا أن موقعه أفضل من موقع غيره، إنه يعتقد أن عليه أن يَقبل أي مركز أو مكانة يكون فيها، وهذا يؤدي إلى تراجع العدائية حيالَ الآخرين، ما يجعله أكثر تسامحًا وأقل دفاعًا عن معتقداته الخاصة.
أعظم الناجحين
فأعظم الناجحين في التاريخ البشري كله، وهو لاشك سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، كان أكثر المتواضعين، لدرجة أن الله الذي خلق السموات والأرض وخلق الإنسانَ يقول في حق محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم: « وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ » (القلم: 4)، وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق، ثم يقول: « وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا » (الفرقان: 7).
كأن التواضع لله، هو المسلك الوحيد للرفعة والعلو، والنجاح والتفوق، بينما في المقابل لن تجد مغرورًا ناجحًا أبدًا، لذلك فقد قال الله تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم، ممتنًّا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه: « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران: 159).
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟أمر إلهي
المتتبع للقرآن الكريم، يجد أن الله عز وجل يأمر نبيه الأعظم، وهو من هو، وهو خير البشر على الإطلاق، بأن يتواضع للناس، فقال عز وجل: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (الشُّعراء: 215)، فيما وصف الله سبحانه وتعالى أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بأنهم يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين، ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين، حيث قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ» (المائدة: 54 ).
كأن الفرق بين المتواضع والمغرور أو المكتبر، هو اليقين في الله، وبالتالي على المسلم ألا يكون سوى متواضعًا لله، وللناس، مهما علت درجته ومهما كان منصبه، لأن الكبرياء صفة لا يتصف بها سوى الخالق الأعظم ولا يضاهيه فيها أحد مهما كان.