مع اعتياد الوقوع في الأخطاء، بات النظر إلى ما لا يرضي الله، أمرًا مستباحًا، إذ قل الآمرون بالمعروف بحق، والناهون عن المنكر بحق، إذ ترى من يهم بالنهي عن المنكر له غرض خاص، وليس إرضاء الله، وهكذا ضاعت فينا الشهامة الحقيقية.
عن مرداس الأسلمي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالةً»، وفي رواية: (لا يعبأ الله بهم)، قال أبو عبد الله يقال حفالة وحثالة، وفي حديث آخر لنفس المعنى، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لتنتقون كما يُنتقى التمر من أغفاله، فليذهبن خياركم، وليبقين شراركم».
أهل الريب
مثل هذا يتشابه مع سلوك (أهل الريب)، وهم قوم يأتون في آخر الزمان، لا ينهون عن المنكر، ولا يأمرون بالمعروف، إذ يقول ابن مسعود رضي الله عنه : «يذهب الصالحون ويبقى أهل الريب»، قالوا: يا أبا عبد الرحمن! ومَن أهل الريب؟، قال: «قوم لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر»، وبالفعل كأن إصلاح المجتمع آخذ في التراجع، وكأن الناس اعتادت (غير المألوف) فألفته، وكأن الماسك على حدود الله كالقابض على الجمر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، قال: «إنكم في زمانٍ من ترك منكم عُشر ما أمر به هلك، ثم يأتي زمانٌ من عمل منهم بعشُر ما أمر به نجا»، وقد فُسّر الحديث بأن العُشر المأمور به إنما المقصود به: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟زمن الصالحين
ترى الجميع الآن، يسألون أين زمن الصالحين؟، وكأنه بالفعل ذهب بلا عودة، وولى بلا رجعة، ذلك أن هؤلاء ارتبط ذكرهم الطيب بنهيهم عن المنكر، وأمرهم بالمعروف، ولكن عن طيب بال وضمير سوي، وليس فيه أي (شخصنة) أو نوايا غير طيبة.
لذلك فقد وعد الله سبحانه وتعالى من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فقال: «وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا» (النساء:124)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى:«فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ» (الأنبياء:194).
لكن كواقع حتمي فإن دائرة الصلاح سوف تتقلص باستمرارٍ، حتى تختفي تماماً، لتكون من علامات القيامة، ولنا في ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة، لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكراً».