لو كان للعتاب نتيجة، لما أسرها نبي الله يوسف عليه السلام، بنفسه، واعلم يقينًا أنه لو كان لمخالطة الناس في الحزن أثر؛ لما تولى نبي الله يعقوب عليه السلام، عنهم، ولو كان في البوح فرج، لما نذرت السيدة مريم عليها السلام، أن لا تكلم اليوم إنسيا، فليكن كل شيء مع الله وإلى الله (فقط انكسر مع الله فانكسارك أمامه استقامة).
فإذا ما ضاقت بك الدنيا، فعند الله كل الحلول، فلا تيأس أو تجزع، واعلم يقينًا أن هذا الذل والانكسار الذي هو لب العبودية أشارت إليه آيات القرآن، فجاءت في مقام المدح والثناء: « إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ » (الأنبياء: 90)، وما ذلك إلا انكسارك أمام الله رفعة وقوة ليس مثلها شيء.
غاية الحب
عتابك للناس، أو البوح بما في صدرك لأحدهم، قد يكون مضيعة للوقت، بينما إذا كان لله، فهو السر الذي لا يمكن لأحد الإطلاع عليه أبدًا، وهو الصلة التي ستأتي بالفرج يومًا لاشك، فالانكسار حالة تسيطر على القلب، يستشعر الإنسان خلالها بذله وافتقاره وعبوديته لله تعالى، والعبودية كما يرى العلماء من أعلى المقامات عند الله تعالى.
وعندما يرى الله من عبده هذا الشعور بصدق، يغفر له ذنبه، ويفك كربه، ويقبل عبادته وطاعته، ذلك أن العبد بالأساس ذليل ومفتقر إلى الله تعالى من كل وجه، فهو مفتقر إلى الله تعالى في النعمة والنقمة، وفي العسر واليسر، وإنما يريد الله تعالى من عبده أن يراه متذللا إليه، منكسرًا بين يدعيه طواعية منه ومحبة، فهل يعي المسلم ذلك؟.
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟لجوء المحب
فإذا لجأ الإنسان إلى الله عز وجل، فإنما هو لجوء المحب إلى الحبيب، فهذا النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، يتعرض في عام واحد لوفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها، ثم يرفضه أهل الطائف حين هاجر إليهم، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن لجأ إلى العبادة المهجورة في زمننا هذا، نعم لجأ إلى الله تعالى بذل وانكسار.
وعبرت الكلمات التي قالها بما في قلبه من الحب والرضا والذل لله تعالى : « اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وهواني على الناس ، أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله ».