يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (سورة آل عمران: الآية 26).
وهنا أورد الله عز وجل (المعز المذل) كفعلين وليس كاسمين، رغم التأكيد بأنهما من أسماء الله الحسنى لاشك، فالمعز هو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده، والمعزة في الأصل هي القوة والشدة والغلبة، والله هو العزيز، لأنه الغالب القوي الذي لا يغلب، بينما الذل ما كان عن قهر، والدابة الذلول هي التي ليست بصعبة، وقوله تعالى: «فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ»، أي (منقادة غير متعصبة)، وقوله سبحانه: «وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا»، أي (سهلت) .
عز الطاعة
بالتأكيد من أطاع الله واجتنب معاصيه أعزه الله تعالى فليس هناك طاعة إلا والعز معها، وليس هناك معصية إلا والذل معها، وقد ورد وصف الحق تبارك وتعالى بالعزة في مواطن كثيرة من كتاب ربنا تبارك وتعالى، ففي (سورة النساء): «ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا».
وفي (سورة يونس): «وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، وفي (سورة فاطر): «مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ» (10)، وفي (الصافات): «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ»، وفي (المنافقون): «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»، وقد ربط الله سبحانه العز بالطاعة، فهي طاعة ونور وكشف حجاب.
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟ذل المعصية
في المقابل، فإن الله هو المذل، وقد ربط سبحانه الذل بالمعصية، فهي معصية وذل وظلمة وحجاب بينك وبين الله تعالى، والمذل هو الذي أذل أعداءه عدلا بعصيانهم ومخالفتهم، وأهانهم وطردهم وأدخلهم دار عقوبته، وفي القرآن المجيد، ذكر الذل في أكثر من موضع، ففي (سورة الأعراف): «إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ»، وجاء في (سورة المجادلة): «إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ».
والإنسان هو الذي يأخذ بيده إلى الذل، حين يتمسك بالعصيان والمعصية.. فالله هو القادر على أن يعز من يشاء، ويذل من يشاء، وهذا الذليل هو الذي يقال لمثله: « يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»، وهذا لاشك غاية الذل.