بقلم |
أنس محمد |
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024 - 10:44 ص
يتمنى الكثير من الناس الموت هربًا من مشاكله التي تكاثرت عليه، أو هربًا من الحياة التي كرهها، دون الاكتراث لما قدمت يداه من الخير أو الشر، فالموت قد يكون نعمة وقد يكون نقمة على صاحبه، قال تعالى في الملك:"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)".
نعمة الموت متى وكيف؟
فالموت يكون نعمة حينما تموت الذنوب مع موت صاحبها، فما فائدة أن يموت الإنسان وتحيا ذنوبه وتذهب معه في قبره لتعذبه في نار جهنم، وتجعل من قبره حفرة من حفر النيران.
فالموت بمفهومه الذي تتمنى فيه راحتك، هو أن يكون مصاحبا لموت ذنوبك، بعد أن يتوب الله عليك، ويقسمك لك بحسن الخاتمة، وقتها يكون الموت في حقيقته تسريح وإنهاء لوظيفة الحياة الدنيا، وهو تبديل مكان وتحويل وجود، وهو دعوة إلى الحياة الباقية الخالدة ومقدمة لها؛ إذ كما أن مجيء الحياة إلى الدنيا هو بخلق وبتقدير إلهي، كذلك ذهابها من الدنيا هو أيضا بخلق وتقدير وحكمة وتدبير إلهي.
وهناك أربعة وجوه فقط لكي يتحول الموت إلى نعمة :
أولها: أن يكون الموت انتهاءا للمعصية وإنقاذ للإنسان من أعباء وظائف الحياة الدنيا ومن تكاليف المعيشة المثقلة.
ثانيها: أن يكون الموت خروجا من قضبان سجن الدنيا المظلم الضيق المضطرب، ودخول في رعاية الله وفي كنف رحمته الواسعة، فتنعم بحياة فسيحة خالدة مستنيرة لا يزعجها خوف، ولا يكدرها حزن ولا همّ.
ثالثها: كما أن النوم راحة للإنسان ورحمة، ولا سيما للمبتلين والمرضى والجرحى، كذلك الموت رحمة ونعمة عظمى للمبتلين ببلايا يائسة قد تدفعهم إلى الانتحار.
متى يكون الموت نقمة وعذابًا؟
يكون الموت عذاب على أصحاب و أهل الضلال، فالموت لهم كالحياة نقمة عظمى وعذاب في عذاب.
قال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يّـس: من الآية12]، أي نكتب أيضاً ما أخروه من آثار أعمالهم كما نكتب ما قدموه، وفي مثله قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:13]، وإنما أخر آثار أعماله من سنة سيئة عمل بها غيره".
فكم من مسئول ضيع رعيته وحمل أوزارهم بعد موته، وكم من عاص شرب الخمر، وأفطر في نهار رمضان وسرق وزنى، ولم يصل ولا يزكي، وكم من عبد أشاع المنكر والفاحشة والكفر والإلحاد بحجة حرية الكلمة فعليه ذنب من ضل أو كفر أو فسد من الناس إلى سنوات طويلة.
وكم من إنسان خدعوه بقولهم "فنان" فاجتهد في أغنية ماجنة أو أفلام تغضب الله عز وجل فتُكتب عليه سيئاته وسيئات من استمع إليها أو شاهدها حتى بعد وفاته.
يقول النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» رواه البخاري.
فأحدنا لا يتحمل ذنبه فكيف به إذا جاء يوم القيامة يحمل وزره ووزر من أضله بغير علم، قال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].
في هذا الوقت يكون الموت نقمة على صاحبه، لذلك كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يخافون أشد الخوف من آثار أعمالهم، كما ثبت عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عندما قيل له في مرض موته: «أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ رَاغِبٌ رَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّى نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لاَ لِى وَلاَ عَلَىَّ لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا» رواه البخاري، وهو رضي الله عنه لم يفعل إلا خيراً ولكنه خشي أن يُخطئ من يستخلفه فتكون تبعة ذلك عليه لأنه هو الذي استخلفه فلذلك قال: لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا.
فمن يبتغي النجاة حاسب نفسه وسبر وتفحص أعماله فما وجد فيها من سيئة أو أثر سيء تبرأ منه واستغفر الله وتاب إليه وأصلح ما أفسد كما قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 89].
ومن أفضل ما تدعو به ليتوب الله عليك قبل موتك فادعو بما كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو به: «رَبِّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطَايَاىَ وَعَمْدِى وَجَهْلِى وَهَزْلِى، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» .