"الناس أصناف"، مقولة تتردد بين الناس، لكن لا يقف أمامها أحد، بل ربما لم يسأل أحدهم وما هي هذه الأصناف؟، وحتى إن أجاب أحدهم، ستجده يقول (الناس صنفين.. طيب وشرير) هكذا في المجمل، بينما في الحقيقة أنك إذا تأملت في الناس ستجدهم أربعة أصناف : (طائع لله و سعيد في الحياة.. وطائع لله وتعيس في الحياة.. وعاص لله و سعيد في الحياة.. وعاص لله وتعيس في الحياة).
فإذا توقفت أمام التصنيف الأول ستجد الله عز وجل يقول فيهم: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، وإذا توقفت أمام التصنيف الرابع ستجد أن الله عز وجل قال فيهم: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ».
الطائع التعيس
لكن ربما الأغلب من الناس هم أصحاب التصنيف الثاني، (الطائعون التعساء)، وهنا يأتي السؤال، كيف ذلك؟.. كيف يكون طائعًا لله ومؤمنًا بقضائه وقدره، ومع ذلك تعيسًا في حياته، وهؤلاء يحتمل فيهم أمرين، إما أن الله يحبك ويريد اختبار صبرك ورفع درجاتك لقوله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ »، وإما أن في طاعتك خللًا وذنوبًا غفلت عنها ومازلت تسوف في التوبة منها، ولذا يبتليك الله لتعود إليه، لقوله تعالى : «وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».
أما التصنيف الثالث (عاص لله وسعيد) في الحياة فالحذر الحذر، لأن هذا قد يكون هو الاستدراج والعياذ بالله، و هذا أسوأ موضع يكون فيه الإنسان والعاقبة وخيمة جدًا…و العقوبة من الله آتية لا محالة إن لم تعتبر قبل فوات الأوان.. قال تعالى: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ».
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟مراجعة النفس
إذن على كل مسلم أن يراجع نفسه، ويضعها في تصنيفها الحقيقي، فلا يغش نفسه، وإنما لكي يراجع نفسه سريعًا قبل فوات الأوان، خصوصًا إذا كان من أصحاب التصنيف الثالث (العصاة السعداء)، وما أكثر هؤلاء هذه الأيام، فيتصور أن الدنيا (تضحك له)، وهي بالأساس تغشه وتخدعه، وتأخذه إلى مصير غير طيب على الإطلاق.
وفي ذلك يقول الإمام بن القيم رحمه الله: «الناس إما مؤمن ظاهرا وباطنا وإما كافر ظاهر وباطنا، أو مؤمن ظاهرا كافر باطنا، أو كافر ظاهرا مؤمن باطنا، والأقسام الأربعة قد اشتمل عليها الوجود، وقد بين القرآن أحكامها فالأقسام الثلاثة الأول ظاهرة وقد اشتمل عليها أول سورة البقرة، وأما القسم الرابع ففي قوله تعالى: وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ. {الفتح: 25}. فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم في قومهم ولا يتمكنون من إظهاره، ومن هؤلاء مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه».