يقول الله تعالى :" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"..فهل الملكان الكريمان الكاتبان يكتبان كل ما يتكلم به الإنسان، أو لا يكتبان إلا ما فيه ثواب وعقاب؟
وقفات مع النفس:
ذكر أحد التابعين: ركب رجل حمارا فعثر به، فقال تعس الحمار، فقال صاحب اليمين ما هي حسنة أكتبها، وقال صاحب اليسار ما هي سيئة فأكتبها، فأوحى الله إلى صاحب الشمال ما ترك صاحب اليمين من شيء فاكتبه، فأثبت في السيئات تعس الحمار.
وظاهر هذا أن ما ليس بحسنة فهو سيئة وإن كان لا يعاقب عليها، فإن بعض السيئات قد لا يعاقب عليها، وقد تقع مكفرة باجتناب الكبائر، ولكن زمانها قد خسره صاحبها حيث ذهب باطلا، فيحصل له بذلك حسرة في القيامة وأسف عليه، وهو نوع عقوبة، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟كيف تسجل الحسنات والسيئات؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين مشهورين، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: يكتب الملك كل ما يتكلم به من خير أو شر، حتى أنه ليكتب قول أكلت وشربت وذهبت وجئت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه خير أو شر وألغي سائره، فذلك قوله تعالى :" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب".. وقال تعالى :" إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد".
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: وقد أجمع السلف الصالح على أن الذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن شماله يكتب السيئات.
وفي صحيح البخاري: «إذا كان أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه والملك عن يمينه» .
غض الطرف:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني عن ربه عز وجل «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه».
والطرف لا يجمع لأنه في الأصل مصدر أو اسم جامع للبصر لا يثنى ولا يجمع، وقيل أطراف، والمراد به إطلاق بصر الإنسان بالنظر في المحرمات.
وقد قال تعالى " ولا تقف ما ليس ل كبه علم إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا" ، حيث قدم ذكر اللسان وأتبعه بالبصر لما بينهما من الاشتراك والدنو من القلب.
كما أن أكثر المعاصي إنما تتولد من فضول الكلام وإرسال النظر وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتهما لا تملآن بخلاف البطن فإنه متى امتلأ لم يبق له في الطعام إرادة.
وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام أبدا، كما قيل: أربع لا تشبع من أربع: عين من نظر، وأذن من خبر، وأرض من مطر، وأنثى من ذكر.