العشم.. من الأمور التي تربط الناس ببعضها البعض، فتجد أحدهم يتصرف في بيت أحد أصدقائه وكأنه بيته بالفعل، أو أن يفتح أحدهم محفظتك ويأخذ منها ما يريد بداعي أنك صاحبه أو جاره، أو تدخل جارتكِ عليكِ فيعجبها (شوية طماطم أو ملوخية) فتقرر أن تأخذهم، وينسى الأول أنه قد يجرح مشاعر صاحب البيت دون أن يشعر، وينسى الثاني أنه قد يكون ما بداخل المحفظة هو كل ما يملكه صاحبه، وقد تنسى الثالثة أن الطماطم والملوخية قد تكون آخر طعام من الممكن أن يتحصلوا عليه في هذا اليوم.
صحيح أن العشم هو السند، وما أجمل أن يكون لك سندًا في الحياة، إلا أنه علينا ألا نفرط فيه حتى لا ينقلب ضده، كما أننا بالأحرى علينا أن نتعشم في الذي لو أخذنا منه أشياء بعدد حبات المطر أو قطرات ماء البحر، ما نقص من ملكه شيء!.
السند الحقيقي
بالتأكيد من الجميل جدًا أن يكون لك سندًا في الحياة، لكن الأجمل أن يكون سندك الحقيقي رب الحياة والممات، وفالق الحب والنوى، سبحانه وتعالى، حيث قال: «لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا »، فكيف به يطلب منا ذلك، ونحن نبحث عن سند قد يخذلنا يومًا ما، بينما الله لا يمكن له أن يرد طلب السائلين ولو سألته الدنيا كلها جميًا في نفس الوقت.. وقديمًا قالوا (الشكوى لغير الله مذلة)، ومن ثمّ فإنه على قدر معرفتك بربك، على قدر حسن ظنك به، فهذا نبي الله يعقوب يحسن الظن بالله عز وجل في أنه سيعيد له أبنائه الغائبين.
قال تعالى: «يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ » (يوسف: 87 )، وهذا نبي الله موسى عليه السلام، وقد وقف أمامه البحر وخلفه فرعون وجنوده، إلا أن ثقته وحسن ظنه وعشمه في الله كانوا النجاة، فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ » (الشعراء: 61)، فكانت الإجابة: «وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ » (الشعراء: 64-67).
اقرأ أيضا:
تزوجته عصبي وظننته سيتغير بعد الزواج ولم يحدث.. ماذا أفعل؟الله خير سند
حتى في آخر اللحظات، وفي أكثر وقت يحتاج فيه الإنسان لمن يدعمه، يأتي الله ليكون هو خير السند، إذ يتجسد العشم في أبهى صوره، فبينما تسلم الروح لبارئها، تجد العبد وكأنه يقول (انقذني يارب)، فإن كان عشمه نابع من يقين فهو في محله لاشك، فعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل موته بثلاثة أيام، يقول: «لا يموتنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسنُ الظنَّ بالله عز وجل»، ذلك أن الله هو القادر على أن يستقبلك بأفضل استقبال في قبرك، بينما الإنسان قد يكون العشم الكبير فيه هو السبب لدخول القبر!.