منذ بعثته وهو في سن الأربعين، حتى وفاته في سن الـ63، ظل النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، يدعو الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد، لإخراجهم من ظلمات الجهل والتخلف، إلى نور الحقيقة والإيمان.
وقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلال بعثته نحو 13 عامًا في مكة، حتى أمره الله عز وجل بالهجرة إلى المدينة المنورة، وهي الفترة التي امتازت بتعليم العقيدة، والتحقق من أن كل من يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) إنما يؤمن بها حقًا، مع اختلاف طبيعة البشر في هذا التوقيت، حيث باتوا يؤمنون بما لا يرونه أمامهم، عكس الأصنام التي كانوا يصنعونها بأيديهم.
بينما تميزت الفترة الأخرى في المدينة المنورة (بعد الهجرة) والتي امتدت لنحو 10 سنوات، بتعلم الأحكام والشريعة الإسلامية، وكأن الله عز وجل عندما تيقن من أن عقيدتهم لم تكن ذات محل أي شك نهائيًا، أنزل عليهم أحكامه وشرائعه.
الفترة المكية
عاشت قريش قبل البعثة النبوية في أوهام خاصة بهم، فقد اخترعوا آلهة وعبدوها، وصاروا على هذا الحال سنوات طوال، حتى أراد الله عز وجل لهم الهداية، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فكانت البعثة المحمدية صلى الله عليه وسلم، الذي ملأ الدنيا نورًا وعلمًا، وتبيانًا لكل شيء، وبينما كان هؤلاء الناس يصنعون آلهتهم بأيديهم، صار هناك من يدعو لعبادة غيبية، «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ» (الحشر 22)، فكانت تغييرًا خطيرًا وعظيمًا جدًا، أن تمتلأ قلوب هؤلاء بالإيمان بالغيب.
فالإيمان بالغيب هو ركيزة من ركائز عقيدة الإسلام، ودعامة الدين الإسلامي، وهو ركن عظيم من أركان الإيمان الستة؛ الذي لا يصح إيمان العبد بدونه، فكانت الفترة المكية التي استمرت لنحو 13 عامًا للتأكيد على هذه العقيدة، وأن هناك خالق عظيم وراء هذا الكون الفسيح، حتى أنه صلى الله عليه وسلم لما جاءته رحلة الإسراء والمعراج، سأل البعض صاحبه أبي بكر، هل سمعت بما قاله صاحبك، كان رده حاسمًا دون أدنى تفكير: (إن كان قد قال فقد صدق.. فقد صدقته فيما هو أكبر من ذلك، وهو أمر السماء فكيف لا أصدقه فيما هو أقل من ذلك)، وكأنه امتحان لهؤلاء الذين آمنوا بالرسالة المحمدية بأن ما قد يكون بعيدًا عن نواميس عقولهم وطرق تفكيرهم لابد لهم أن يؤمنوا به أيما إيمان.
دولة المدينة
فلما نجحوا في الامتحان الأول، وهو الأعظم والأكبر، وأكدوا على حقيقة إيمانهم بالعقيدة المحمدية، المبنية على الإيمان بالغيب، كانت المرحلة الثانية التي بنيت على الشرائع، وفي هذه المرحلة أخذ الوحي ينزل بالتشريعات المفصلة التي لا بد منها لتنظيم حياة المسلمين.
إذ بدأت الدولة الإسلامية تتكون، وتحتاج إلى ما تقوم به من نظم وتشريعات وقوانين تحدد العلاقات بين أفرادها، وبينها وبين غيرها من الأمم فقد وضع الإسلام لأول مرة في تاريخ العرب فكرة الدولة، وجعل من الواجب طاعة السلطان، قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ».
ط
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها