يعاني بعض الناس من التردد في اتخاذ قراراتهم بشكل عام في الحياة، لكن في الواقع قد يكون ذلك علامة على الذكاء، وفقًا لعلماء النفس.
وأجرى الباحثون في جامعة دريسدن بألمانيا، دراسة شملت 1300 شخص قدموا لهم سيناريوهات افتراضية من العالم الحقيقي، لاختبار رد فعلهم إزاءها والوقت الذي يستغرقونه في اتخاذ قراراتهم.
وكان أولئك الذين استغرقوا وقتًا أطول في اتخاذ قرارهم أقل عرضة لاتخاذ قرار بناءً على معتقداتهم فقط - المعروفة باسم التحيز التأكيدي. كما أنهم كانوا أقل عرضة للقفز إلى الاستنتاجات، وبدلاً من ذلك نظروا إلى مجمل الأدلة قبل إصدار الحكم.
مزيد من التفكير بشأن قرارنا
قالت الدكتورة جانا ماريا هوهنسبين، عالمة النفس، قائدة الدراسة: "يجب احتضان التجربة العامة لكونك متناقضًا. يمكن أن يمنحنا وقفة ضرورية، مما يشير إلينا بأن الأمور معقدة وأننا بحاجة إلى مزيد من الوقت للانخراط في مزيد من التفكير بعناية بشأن قرارنا".
الدراسة - التي نُشرت في مجلة "بروسينالتي آند انديفيدوال ديفرنسيس"، عبارة عن تحليل تلوي لخمس أوراق بحثية سابقة، قدم الباحثون خلالها للمشاركين حالات واقعية، مثل تقرير ما إذا كان يجب على شخص ما الاحتفاظ بوظيفته أو تقييم شخصيته. وتم تقييم الإجابات لتحديد ما إذا كان المشاركون لديهم "ازدواج في السمات" - مشاعر مختلطة أو أفكار متناقضة حول شيء ما أو شخص ما.
قدم الباحثون للمشاركين ثلاثة أسئلة، حيث طُلب منهم تقييم إجاباتهم من 1 (لا أوافق بشدة) إلى 5 (أوافق بشدة). وكانت الأسئلة هي: "أفكاري غالبًا ما تكون متناقضة"، "غالبًا ما أشعر بالتمزق بين وجهين من قضية ما"، و"أحيانًا عندما أفكر في موضوع ما، أشعر وكأنني أتحول جسديًا من جانب إلى آخر".
وأظهرت النتائج أن أولئك الأكثر ترددًا يميلون إلى قضاء وقت أطول للوصول إلى إجاباتهم. ثم عُرض عليهم سيناريوهات مختلفة، أولها قيل لهم إنهم التقوا للتو بشخص اعتقدوا أنه منفتح. وتم إخبار المشاركين بعد ذلك أنه يمكنهم طرح سؤال واحد على الشخص الافتراضي- "هل تحب قضاء الوقت في المنزل بمفردك؟" أو "هل تحب الذهاب إلى الحفلات؟".
اقرأ أيضا:
الزواج ليس نهاية الحكاية .. 7 أشياء يبحث عنها الرجل في المرأةعلامات التحيز التأكيدي
أولئك الذين اختاروا السؤال الثاني اعتبروا أنهم أظهروا علامات التحيز التأكيدي، لأنهم بحثوا فقط عن المعلومات التي تتفق مع افتراضهم لما هو المنفتح. لكن الذين اختاروا السؤال الآخر أظهروا تناقضًا كبيرًا، لأنهم أرادوا التشكيك في الرواية الرسمية والبحث بشكل أعمق.
في تجربة ثانية، تم تسليم المشاركين تقارير عن موظف يعرف باسم "السيد مولر" كان يتطلع إلى تجديد عقده. طُلب منهم قراءة التقارير والتوصل إلى افتراض حول نوع الموظف الذي كان "السيد مولر".
بعد ذلك، عُرض عليهم بيانات إضافية من خبراء "الصناعة"، بعضهم اختلف مع الحكم الأولي للمشاركين. وطُلب من المتطوعين تقييم مصداقية وأهمية كل بيان.
أولئك الذين لم يكونوا مترددين يميلون إلى استبعاد الآراء التي لا تتفق مع حكمهم. لكن الذين لديهم تناقض أكبر يميلون إلى إعطاء وزن أكبر للآراء التي تختلف مع وجهة نظرهم.
وقال العلماء إن هذا يظهر أنهم أقل عرضة للتحيز التأكيدي، لأنهم كانوا على استعداد للنظر في جميع الأدلة قبل الوصول إلى وجهة نظر.
تم الإشارة أيضًا في الورقة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من ازدواجية أكبر كانوا أقل عرضة لتحيز المراسلات. مثال على ذلك الموقف الذي ينزلق فيه شخص ما.
قد يفترض الأشخاص الذين لديهم تحيز في المراسلات أن السبب في ذلك هو أن الشخص أخرق، لكن أولئك الذين يرغبون في النظر إلى وجهات نظر أخرى سينظرون أيضًا في السياق، مثل ما إذا كانت الأرضية زلقة بطبيعتها.
وقال الدكتور باروخ فيشوف، خبير الحكم في جامعة كارنيجي ميلون ببنسلفانيا، إن التباطؤ في اتخاذ القرار قد يكون مفيدًا. وأضاف لموقع "ديلي ميل"، أن الدراسة أظهرت أن "التقييم الأكثر توازنًا للأدلة يؤدي إلى قرارات أفضل".
ومع ذلك، حذر العلماء من أنه من المهم أيضًا عدم الوقوع في حالة من التردد. وقال الدكتور هوهنسبين لـ "بي بي سي": "كما هو الحال مع معظم الأشياء، هناك توازن يجب تحقيقه".
للحد من التردد، اقترحت الدراسة تحويل القرارات إلى سلسلة من المهام، مثل تخصيص ساعتين للبحث عن معلومات جديدة، ثم قضاء فترة محددة من الوقت في التداول.
في ورقة بحثية من عام 2020، درس الاقتصاديون في جامعة شيكاغو السعادة الكلية بعد أن طلبوا من الناس إجراء تغييرات مهمة في الحياة.
طُلب من المشاركين قلب عملة معدنية، ثم اعتمادًا على المكان الذي سقطت فيه، يمكن تغيير حياتهم من الحصول على وشم، إلى الانتقال إلى منزل، والعودة إلى التعليم أو ترك وظيفتهم.
على مدى الأشهر التالية، وجد العلماء أن الأشخاص الذين أخذوا زمام المبادرة كانوا أكثر سعادة بشكل ملحوظ من أولئك الذين استمروا في العمل كما كان من قبل.
تم اقتراح أن المشاركين قد أمضوا بعض الوقت في التفكير في هذه الخطوة، وأن العملة كانت بمثابة دفعة أخيرة لدفعهم إلى الحافة.
وخلص الدكتور ستيفن ليفيت، الخبير الاقتصادي الذي قاد الدراسة، إلى أن "القاعدة الأساسية الجيدة في اتخاذ القرار هي أنه عندما لا تستطيع أن تقرر ما يجب عليك فعله، اختر الإجراء الذي يمثل تغييرًا بدلاً من الاستمرار في الوضع الراهن".