يعيش العالم اليوم تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة، أبرزها تفاقم الفقر والبطالة والعزلة الاجتماعية، إلا أن الإسلام جاء منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا بمنظومة متكاملة من المبادئ والقيم، تُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، يأتي في طليعتها "التكافل". فالتكافل في الإسلام ليس مجرد صدقات عابرة، بل نظام إنساني وأخلاقي شامل يرسخ معاني العدالة والتراحم بين الناس.
التكافل: مبدأ إسلامي أصيل
التكافل مشتق من الكفالة، أي أن يتعهد الإنسان برعاية غيره، وهو مبدأ أصيل في القرآن الكريم والسنة النبوية. قال تعالى:
{وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2]،
وقال النبي ﷺ:
"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [رواه مسلم].
ومن هنا يتجلى أن التكافل ليس تفضلاً من الغني على الفقير، بل هو مسؤولية اجتماعية، وحق للمحتاج في مال المقتدر.
أشكال التكافل في المجتمع الإسلامي:
يظهر التكافل في الإسلام في صور متعددة، منها:
- الزكاة: وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، تُفرض على الأغنياء وتُوزع على المستحقين، بهدف تحقيق التوازن الاقتصادي ومحاربة الفقر.
- الصدقات: سواء كانت واجبة (كالنذر والكفارات) أو تطوعية، فهي تفتح بابًا واسعًا للمشاركة المجتمعية.
- الوقف الخيري: أحد أبرز صور التكافل المستدام، حيث يتم تخصيص مال أو عقار لخدمة التعليم أو الصحة أو الإيواء أو غيرها من حاجات المجتمع.
- كفالة اليتيم: قال ﷺ: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بالسبابة والوسطى. وهذا يوضح مكانة التكافل في رعاية الفئات الهشة بالمجتمع.
- الإغاثة عند الأزمات: كإغاثة الملهوف، وإيواء المشرد، ومساعدة المريض، وهي جوانب حاضرة في فقه النوازل الإسلامي.
ثمار التكافل الاجتماعي:
- تقوية أواصر المحبة بين أبناء المجتمع.
- الحد من الجرائم الناتجة عن الفقر أو اليأس.
- تحقيق التوازن الاقتصادي وتقليل الفجوات الطبقية.
- نشر قيم الرحمة والتعاون في النفوس.
نماذج تطبيقية من تاريخ الإسلام:
منذ عهد النبي ﷺ، كان التكافل حجر الزاوية في بناء المجتمع المدني في المدينة المنورة. فقد آخى النبي بين المهاجرين والأنصار، حتى أن أحدهم كان يقاسم الآخر ماله ومسكنه.
وفي عهد الخلفاء الراشدين، أنشئت بيت المال لرعاية مصالح الفقراء والمحتاجين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقد أحوال الرعية بنفسه في الليل.
التكافل في الإسلام ليس مجرد شعارات، بل هو ممارسة واقعية تحفظ كرامة الإنسان وتضمن استقرار المجتمع. وفي ظل الأزمات المعاصرة، يبرز هذا المبدأ كقيمة إنسانية جامعة، لو أُعيد إحياؤها بصدق، لتحققت العدالة الاجتماعية ولزال كثير من البؤس عن عالمنا.