كانت حياة عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للمسلمين حافلة بالمواقف العادلة والحكم البليغة لا سيما سيرته في الحكم ومسارعته في الخير وإعطاء كل ذي حق حقه. فقد كان الفاروق رضي الله عنه مضرب المثل في العدل والجود، كذا في الفصل بين الخصوم لذا عينه الصديق رضي الله عنه قاضيًا في خلافته للمسلمين، وبتأمل سيرته نجدها ملأى بما يقوي الإيمان ويبعث الأمل في النفوس، ويؤكد حيدته وإعطاء الناس حقوقهم وإن اختلفوا معه في الدين، فلقد مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِبَابِ قَوْمٍ وَعَلَيْهِ سَائِلٌ يَسْأَلُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَضَرَبَ عَضُدَهُ مِنْ خَلْفِهِ, وَقَالَ: مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْتَ؟ فَقَالَ: يَهُودِيٌّ, قَالَ: فَمَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى؟ قَالَ: أَسْأَلُ الْجِزْيَةَ وَالْحَاجَةَ وَالسِّنَّ, قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَضَخَ لَهُ بشيء مِنَ الْمَنْزِلِ.ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَازِنِ بَيْتِ الْمَالِ, فَقَالَ: انْظُرْ هَذَا وَضُرَبَاءَهُ، فَوَاللهِ مَا أَنْصَفْنَاهُ أَنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَهُ ثُمَّ نَخُذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}(التوبة: 60)، وَالْفُقَرَاءُ هُمُ الْمُسْلِمُونَ, وَهَذَا مِنَ الْمَسَاكِينِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَضَعَ عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَعَنْ ضُرَبَائِهِ, قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا شَهِدْتُ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ الشَّيْخ". وهذا طلحة بن عبيد الله غلبته نفسه وأراد يوما أن يتتبع عثرات عمر بن الخطاب، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، فَرَآهُ طَلْحَةُ، فَذَهَبَ عُمَرُ، فَدَخَلَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتًا آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ طَلْحَةُ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ فَإِذَا بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ، فَقَالَ لَهَا: مَا بَالُ هَذَا الرَّجُلِ يَأْتِيكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ يَتَعَاهَدُنِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا طَلْحَةُ، أَعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتْبَعُ". وهذا الموقف مع قصره يبين مدى ما كان عليه عمر بن الخطاب مع قوته وشدته في الحق لكنه كان رحيما عطوفا محبا للخير كما يبين مدى إخلاصه في فعل الخير ةاسستاره عن اعين الخلق مخافة الرياء، ومما يذكر في هذا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أبلغ أبو عبيدة بن الجراح امين وحي المة بأسماء المنافقين ذهب إليه عمر بن الخطاب وهو من هو في الطاعة وحب الله ورسوله واستحلف أبا عبيدة قائلا: بالله عليك هل سماني لك رسول الله؟ فاروق الأمة الذي قيل عنه انه لو سلك فجا لسلك الشيطان فجا آخر يخشى على نفسه الرياء والنفاق في الوقت الذي يبتاهى فيه الكثيرون بأعمالهم القليلة يريدون بها الدنيا والشهرة وحب الناس.. لقد كان في سيرة عمر رضي الله عنه وأمثاله خير مثال للتقوى فمن اتبع نهجهم هدي إلى صرط مستقيم.