عندما يذكر الرسول تذكر الرحمة والسماحة، وكل الصفات الحميدة، التي لم يسبقه أحد إليها، بل خضع الجميع إلى عظمة وتمام أخلاقه، حسّا ومعنى، لكن كيف كانت شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت هيبته بين الشجعان والفرسان.
قال الله سبحانه وتعالى: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك، وحرض المؤمنين"، استنبط بعض السلف من الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمور أن لا يفر من المشركين إذا واجهوه، ولو كان وحده.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فضلت على الناس بشدة البطش".
وروى محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وقال: فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة من غير سرج، في عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، ما وجدت من شيء، وقال للفرس: وجدناه بحرا، وإنه لبحر- أي سريعا جدا-، وكان فرسه بطيئا فما سبقه أحد بعد، وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم كونه ركب فرسا بطيئا فعاد بحرا لا يسابق، ولا يجارى.
يقول الإمام علي رضي الله تعالى عنه : كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه.
وقال أيضا: لما كنا يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسا يومئذ، وما كان أحد أقرب من المشركين منه.
وعن البراء سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟
اقرأ أيضا:
ماذا تعرف عن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين؟فقال البراء: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن ناسا رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، وأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها،
وهو يقول: " أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب".
ويقول البراء رضي الله تعالى عنه أيضا : كنا إذا اشتد البأس، وحمي الوطيس، استقبلنا القوم بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع منا ليحاذي الذي يحاذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الطبراني عن علي لما سئل عن موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال: " كان أشدنا من حاذى ركبته صلى الله عليه وسلم".
يقول أصحاب السيرة النبوية : وهذا ما يكون في غاية من الشجاعة التامة لأنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغي، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا مع بغلة ليست للجري، ولا تصلح لكر ولا فر ولا هرب، وهو مع ذلك يركضها إلى وجوههم، وينوه باسمه، ليعرفه من ليس يعرفه صلى الله عليه وسلم.
يقول الصحابي عمران بن حصين: ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب.
وعن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود، ولا أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحكى عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال: لقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث، وهو على بغلة شهباء، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها، وهو يسرع للمشركين، وأبو سفيان آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل المسلمون واقتتلوا هم والكفار ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم.