تعدُّ غزوة خيبر من الغزوات التي قادها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وكانت هذه الغزوة بعد غزوة ذي قرد وقبل غزوة ذات الرقاع، حيث حدثت في السنة السابعة للهجرة في شهر محرم، في السنة السابعة للهجرة تحديدًا، وكانت بعد أن عقد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صلح الحديبية مع قريش وتأمين جانب قريش بهذا الصلح، عاد رسول الله ومن معه من الصحابة الكرام إلى المدينة المنورة بعد الصلح، فلبثَ في المدينة شهر ذي الحجة وقليلًا من شهر محرم، ثمَّ أعد الجيش وخرج إلى خيبر قاصدًا فتحها بقوة الله سبحانه وتعالى، وكان قوام الجيش ألفًا وأربعمئة مقاتل فيهم مائتا فارس من فرسان المسلمين .
وخبير هذه هي مدينة كبيرة منيعة تعجُّ بالحصون والدروع، تقع إلى جهة الشمال من المدينة المنورة، سكّانها من اليهود، وقد غزاها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في هذه الغزوة.
بعد انتهاء غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب كما تُسمّى، وبعد أن عقد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صلح الحديبية مع قريش وأَمِنَ جانب قريش بعد الصلح، رَغبَ رسول الله بمحاربة الأطراف الأخرى التي كانت في مواجهة المسلمين في غزوة الأحزاب، وهذه الأطراف هي قبائل نجد التي تحالفت مع قريش، واليهود -يهود خيبر- الذين كانوا العقل المدبر للهجوم على المدينة في غزوة الأحزاب، ومن هذه المقدمة يمكن استنتاج أسباب غزوة خيبر على الشكل الآتي:
السبب الأول: إنَّ السبب الأول لهذه الغزوة هو أن يحقق المسلمون السلام والأمن والهدوء في المدينة المنورة وما حولها ويوقفوا سلسلة الدم التي استمرت فترة ليست قصيرة من الزمن. السبب الثاني: أنَّ يهود خيبر كانوا العقل المدبّر الذي حرّض الأحزاب على الهجوم على المدينة المنورة، وهم من عقدوا الاتفاق مع غطفان لتشارك في الحرب بجيش قوامه ستة آلاف مقاتل مقابل أن يعطونها تمر خيبر لمدة عام. أهداف غزوة خيبر إنَّ الحديث عن أهداف أي غزوة قام بها المسلمون بقيادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو حديث متشابه بعض الشيء، لأنَّ أهداف المسلمين من أي غزوة هي نشر هذا الدين العظيم، ولكنَّ النظر والتمعّن في أحداث غزوة خيبر على وجه الخصوص سيمكّن من حصر أسباب هذه الغزوة في البنود الآتية:
أوّلًا: القضاء على الوجود اليهودي في خيبر شمال المدينة، خاصّة بعد أن شارك اليهود في تحالف الأحزاب الذي هاجم المدينة في غزوة الأحزاب.
ثانيًا: بسط سيطرة المسلمين على المدينة المنورة وتعزيز الثقة بأنفسهم وكسر شوكة اليهود المتحصِّنين في حصون خيبر.
ثالثًا: الاستمرار في نشر الدين الإسلامي وإعلاء كلمة الله -سبحانه وتعالى- التي خرجَ المسلمون على كلِّ الغزوات في سبيلها. رابعًا: الاستفادة من القدرة الاقتصادية لخيبر وخاصة تمور خيبر.
عسكر جيش المسلمين في ليلة اليوم الذي بدأ فيه الهجوم على خيبر قرب مدينة خيبر، وفي الصباح عندما رأى أهل خيبر جيوش المسلمين أصابهم الفزع والخوف، وعادوا إلى حصونهم وقالوا: "محمد والخميس" والخميس يعني الجيش، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، خَرِبَتْ خيبرُ، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساءَ صباحُ المنذرينَ" .
وبدأت المعركة وبعد عدّة محاولات للدخول إلى حصون خيبر، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "لأعطينَّ هذه الرايةَ رجلًا يحبُّ اللهَ ورسولَه، يفتح اللهُ على يدَيه" ، فأعطى رسول الله الراية لعلي بن أبي طالب الذي كان يشتكي من الرمد في عينيه فتفل رسول الله في عينيه فشُفي بأمر الله تعالى وأعطاه رسول الله الراية، وقال له: "انْفُذْ على رِسْلِكِ حتى تنزلَ بساحتِهِم، ثمَّ ادعُهُمْ إِلى الإسلامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليْهِم مِنْ حقِّ اللهِ فيه، فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رجلًا واحدًا، خيرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حمرُ النَّعَمِ".
وعنما رأى اليهود جيش المسلمين فرّوا إلى حصونهم فهاجم المسلمون الحصن الأول من حصون خيبر الثمانية وهو حصن ناعم الذي كان خط الدفاع الأول لخيبر وكان في هذا الحصن رجلٌ يُدعى مرحب وهو أحد فرسان اليهود في خيبر، ولأن من عادة العرب أن تكون قبل الحرب بعد المبارزات، خرج مرحب يطلب مبارزًا من جيش المسلمين، فخرج إليه علي بن أبي طالب وهو يردد أبياته الشهيرة التي يقول فيها: أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَة كلَيْثِ غابات كَرِيه المَنْظَرَة أُوفيهم بالصَّاع كَيْل السَّنْدَرَة فقاتله عليٌّ -رضي الله عنه- وقتله.
وبدأ القتال الشَّرِسُ حول حصنِ ناعم الذي انتهى بانهيار قوات اليهود بعد قتال دام لأيام متعددة، فهُزِمَ اليهود في معركة هذا الحصن وخرجوا منه وتسللوا إلى حصن الصَّعْب ودخل جيش المسلمين حصن ناعم، وتابع المسلمون اقتحام الحصون في غزوة خيبر مهاجمين حصن الصّعب الذي كان شديد المناعة أيضًا، فهاجمه المسلمون بقيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، وحاصر المسلمون الحصن ثلاثة أيام، وفي اليوم أمر سول الله الجيش باقتحام الحصن، فكان للمسلمين من كان حيث فتحوا حصن الصَّعْب أيضًا بعد حصن ناعم، فانتقل اليهود إلى من الحصون وتمركزوا في قلعة الزبير، وهي قلعة عالية منيعة لا تطالها الخيول ولا يصلُ إليها الرجال، فحاصرها رسول الله ثلاثة أيام قبل أن يجيء إليه رجل من اليهود ويقول له: "يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا ما بالوا، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك" ففعل رسول الله ما قال هذه الرجل وقطع عن اليهود في قلعة الزبير الماء، فاضطروا إلى الخروج وحدثت معركة عنيفة على باب القلع انتهت بانتصار جيش المسلمين وفتح القلعة بفضل الله تعالى وقوته.
وبعد قلعة الزبير نقل اليهود تمركزَ قواتهم إلى قلعة أبي، فحاصرها المسلمون، فطلب رجلان من اليهود المبارزة مع رجال المسلمين فكان لهم ما كان وقُتلا على يد رجلين من المسلمين وكان أحد هذين الرجلين أبو دجانة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء الذي أسرع إلى اقتحام قلعة أبي بعد قتله اليهودي في المبارزة فدخلها جيش المسلمين بعد قتال عنيف دام ساعات، انتصر فيه المسلمون على اليهود، وهرب اليهود من قلعة أبي إلى حصن النِّزار وهو الحصن الأخير في القسم الأول من خيبر، وقد حاصر المسلمون حصن النزّار حصارًا شديدًا، وعندما عجز المسلمون على اقتحام حصن النزار أمر رسول الله بضرب الحصن بالمنجنيق، فضعفت جردان الحصن من ضربات المنجنيق ففرَّ رجال اليهود من حصن النِّزار تاركين أطفالهم ونساءهم للمسلمين، وبهذا الفتح سيطر المسلمون على القسم الأول من خيبر، وقد هرب اليهود من الحصون الصغيرة بعد فتح الحصون الكبيرة على يد المسلمين وتحصنوا في القسم الثاني من خيبر.
وبعد أن استقرّ القسم الأول من خيبر لرسول الله، اتجه جيش المسلمين في غزوة خيبر إلى القسم الثاني من المدينة، القسم الذي فيه حصن القمُوص، وحصن بني أبي الحُقَيق، وحصن الوطيح والسلالم، وكلُّ هذه الحصون تحصّن بها اليهود تحصُّنًا منيعًا، فحاصرها جيش المسلمين أربعة عشر يومًا كاملة، وعندما لم يجدِ الحصار نفعًا، همَّ جيش المسلمين بنصب المنجنيقات لضرب الحصون، فطلب أهل خيبر الصلح مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فأرسل اليهود في الحصون ابن أبي الحُقيق إلى رسول الله، فصالح ليحقن دم من في الحصون من اليهود، مقابل أن يخرج اليهود من حصونهم ويخرجوا من خيبر كلها ويتركوا للمسلمين الأراضي والرزق والذهب والفضة وكلَّ شيء، فتم الصلح وتم فتح خيبر بأمر الله سبحانه وتعالى وحولِهِ وقوَّتِهِ.
إنَّ أبرز نتائج غزوة خيبر العظيمة التي خاضها المسلمون مع يهود خيبر واستمرت لأيام طوال تتمثّل بما يأتي:
أولًا: التأكيد على قدرة المسلمين العسكرية وبراعتهم القتالية وقدرتهم على الصبر في القتال أيامًا طويلة وأمام حصون منيعة.
ثانيًا: أظهرت غزوة خيبر جيش المسلمين بمظهر البطل ودفعت عددًا من القبائل العربية التي كانت تعادي المسلمين إلى عقد صلح مع المسلمين بعد هذه الغزوة.
ثالثًا: أنهت هذه الغزوة على الوجود اليهودي في خيبر ونشرت الإسلام في هذه المدينة، وكسرت شوكة اليهود في الجزيرة العربية.
رابعًا: كان لهذه الغزوة فائدة اقتصادية عظيمة عادت على المسلمين بعد فتح المدينة وتوزيع الغنائم على المسلمين.
اقرأ أيضا:
الحسن بن علي هكذا تصرف سبط النبي عندما قطع معاوية عطاءه .. أعظم صور اليقين بالله .. تعرف علي القصةاقرأ أيضا:
ماذا تعرف عن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين؟