علماء الحديث والمتخصصون في السنة النبوية الشريفة يعرفونها في اللغة بأنها الطريقة المعبدة، والسيرة المتبعة، أو المثال المتبع، وجمعها سُنن، وذكروا أنها مأخوذة من قولهم: سنّ الماء إذا والى صبه. فشبهت العرب الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب فإنه لتوالي جريانه على نهج واحد يكون كالشيء الواحد، وفي الأساس: سن سنة حسنة، طرّق طريقة حسنة، واستن بسنته. وفلان متسنّن، عامل بالسنة،
بعض اعلام التابعين وتابعي التابعين دخلوا علي نفس الخط بالإشارة إلي أن السنة النبوية الشريفة بأنها الطريق الذي يتكرر لنوع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة. قال تعالى: «قد خلت سنن من قبلكم فسيروا في الأرض» وقال النبي «لتتبعن سنن من كان قبلكم» والاتباع هو الاقتفاء والاستنان.
علماء الفقة والسلف الصالح أجمعوا علي أن السنة النبويّة الشريفة ثاني مصدرٍ من مَصادر التّشريع في الإسلام؛ فهي "كُلّ ما وَرد عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو سيرةٍ، أو صفة خَلقية أو خُلقية"، وقد نُقلت السيرة جيلاً بعد جيل بطرقٍ صَحيحة واضحة، حيث تُعتبر سيرته وسنّته -عليه الصّلاة والسّلام- من أوضح السير بين الأنبياء والرّسل عليهم السّلام؛
السنة النبوية ومنذ ما يقترب من 1441 عاما تولت نقل كل ما يتعلق برسول الله صلي عليه وسلم منها الإخبار عن مولده، ونشأته، وصفاته الخَلقية والخُلُقية، وتفاصيل علاقته بأصحابه، وعلاقته اليوميّة مع زوجاته، ومَواقفه مع الآخرين، والحوادث التي حصلت أثناء فترة نبوّته بتفاصيلها، والمَعارك التي خاضها وشارك فيها قبل الإسلام وبعد البعثة، وجميع ما جاء به عن الله من أحكام وأمور شرعيّة، وتطبيقاتها العمليّة في هيئاته وأفعاله وأقواله.
اقرأ أيضا:
كلما رأيت الخير.. أسرع الخطى إليهالهدي النبوي "السنة " تضمنت كذلك كل أشكال الهدي النبوي في العادات والمعاملات الدينية والدنيوية بل تضمنت سلوكيات حياتية للنبي في كل حركته وسكناته وقد حثنا الله تعالي علي اتباع سنة النبي صلي الله عليه وسلم كما جاء في قوله تعالي "ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحشر الأية السابعة .
ومن الثابت شرعا إن المحافظة علي أداء سنة النبي صلي الله عليه وسلم أناء الليل وأطراف النهار فريضة إسلامية غائبة وأمرا يجب علي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الالتزام به في الحركة والسكنة والقول والفعل .. فإتباع سنة النبي يجب أن يشكل أولوية في حياة المسلم من أجل أن تنتظم حياته ويفوز برضا الله وإتباع أوامر حبيبه صلَّى الله عليه وسلَّم.
علماء الحديث والمتخصصون في السنة النبوية اجتهدوا في الوصول لتعريف محدد للسنة النبوية المهجورة حيث أجمعوا علي إنها الأفعال والأقوال التي قالها النبي وفعلها وغفل عن فضلها المسلمون فانتشر تركها بينهم.
علماء الحديث قسموا السنن المهجورة إلي مراتب فهي ليست على منزلة واحدة فهي متفاوتة فبعضها لازم النبي فعلها أو قولها وبعضها لم يلازمه ومما لازمه الصلاة الراتبة وصلاة الوتر وترك سنة من السنن أمر غير ثابت، مختلف بحسب الزمان، والمكان، وحال الشخص ومنزلته من العلم والدين، وبيئته؛ فعليه أن يكون حكيما في قوله عن فعل أو قول بأنه سنة مهجورة.
سنة النبي صلي الله عليه وسلم حظت بمقام رفيع وعلو هامة ولكن هذا لا يخفي أن هناك العديد بل المئات من السنن النبوية قد تم نسيانها أو تجاهل الالتزام بها رغم ما يحقق العمل بها من فوائد دينية ودنيوية وهي رأسها التداوي بالدعاء وفق ما ورد عن
أمّ المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها التي قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا".
هه السنة النبوية المهجورة تنسجم مع ضرورة أن يعتقد المسلم اعتقادًا جازمًا أن الشافي هو الله عز وجل، قال الله تعالى على لسان نبيّنا إبراهيم عليه الصّلاة والسلام في معرِض وصفه لربِّ العالمين: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء: 80)، فهي صفة جليلة عظيمة من صفاته عزّ وجلّ،
بل أن النبي صلي الله عليه وسلم قد عمل بقوة على زرع هذا المعنى العظيم في نفوس المؤمنين، فكان من سُنَّته أن يدعو الله تعالى بأدعية مختلفة حال المرض، يطلب بها الشفاء منه سبحانه وتعالى، ولم يكن هذا يعني أنه لا يهتمُّ بالتّداوي أو يحرص عليه، وإنما كان يهدف إلى تصحيح عقيدة المسلم، فالدواء لن يُحَقِّق الشفاء إلا بإذن الله عزّ وجلّ، والدعاء الذي عَلَّمنا إيّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسيلة عمليَّة من وسائل العلاج.
قيمة هذه السنة النبوية المهجورة انعكست في حديث عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: "ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلاَثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّات: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ".
وعن عائشة رضي الله عنها أيضا: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى الإنسان الشّيء منه، أو كانت به قرحة، أو جرح، قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم بأصبعه هكذا، -ووضع سفيان بن عيينة راوي الحديث سبّابته بالأرض ثم رفعها-، وقال: "باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يُشفى سقيمنا، بإذن ربنا"
ومن المؤسف في ها السياق أن هذه السنة النبوية المهجورة والمتمثلة في التداوي بالدعاء عيمة القيمة قد تصل بالمؤمن الي الشفاء من الأمراض والأسقام والأوبئة حيث لا يجب أن يعول المؤمن علي الطبيب والدواء فقط بل يجب أن تنطلق عقيدته من أن الافي هو الله أو التداوي بالدعاء والترع إلي الله هو السبيل الوحيد للفاء من الأمرا ض.