مرحبًا بك يا عزيزتي..
توقفت كثيرًا عند جملتك " ولكن الماضي المشين لا زال يطاردني"!
واندهشت لالتفاتك إلى هذا الماضي المشين وغفلتك عن أن الله ستره!
الستير ستره، ولأنه عدل، ستر، غفور، رحيم، علم ما في نفسك، وحقيقتك "لست عابثة ولا ماجنة"، "فعلت من أجل الزواج"، وهناك فارق بين حقيقة الذات، وتصرفاتها، وهو سبحانه أعلم بمن خلق، سترك.
أين تفكيرك، والتفاتك، لهذا الستر؟ وأسبابه؟ وشكره؟!
أين تفكيرك في الماضي للتعلم، والاعتبار، وتعلم الكثير عن حقيقة المشاعر، والحب، والزواج، والنضج، والحياة؟!
أين تفكيرك في أسباب هذه الحالة "اللهفة على الزواج"، التي كانت مسيطرة عليك طوال هذه السنوات الطويلة، وتسببت في السقوط في كل هذه الفخاخ؟!
من حقك الغضب، والحزن!!
من حقك الحزن على هذه المرحلة من عمرك، والغضب مما حدث لك خلالها، وهو دليل على سواءك النفسي، فأنت كنت تودين لنفسك وضعًا وتصرفات أفضل، لا أخرى تشين، وتقلل من تقدير الذات واحترامها، كما حدث معك، ولكن، ما حدث قد حدث، وواجبك الآن هو "مسامحة" نفسك على نسختك تلك التي فعلت ما فعلت، وفقًا لمستوى نضجها، ووعيها، وظروفها، وقتها.
هكذا ترحل عنك مشاعر سيئة تخص مرحلة سيئة، مضت، يا عزيزتي، وليس من المنطقي أن ترحل المرحلة وتبقى مشاعرها!
ليس من المقبول أن يرحمك الله، ويسترك، ويهديك زوجًا كما وصفته خلوقًا، ولا ترحمين أنت نفسك، بل وتشعرين بعدم استحقاق للهدية!أرجو أن تكون الحياة بأحداثها التي مرت بك -على قسوتها- قد علمتك يا عزيزتي، أننا عندما نحرم في طفولتنا ومراهقتنا من الحب غير المشروط، والاهتمام، والحنان، والرعاية، ونخرج للحياة بأكوابنا هكذا فارغة، فلابد أن نبحث عمن يملؤها، وغالبًا سنلجأ إلى مصادر خاطئة، وسنكون صيدًا سهلًا للمخادعين، المستغلين للحرمان الذي نعانيه.
أرجو أن تكون الحياة بأحداثها التي مرت بك -على قسوتها- قد علمتك يا عزيزتي، أننا عندما ننظر للزواج على أنه "هدف أصيل"، وأننا بلا قيمة بدونه، ولا حياة لنا إذا لم نتزوج، فإننا لا محالة سنسقط في جب ظلام بلا قرار، وظلم للنفس.
أرجو أن تكون الحياة بأحداثها التي مرت بك -على قسوتها- قد علمتك يا عزيزتي، أن معالجة الحرمان العاطفي، واشباع الاحتياجات النفسية لا يتم بالتسول، ولا التنازل، ولا السماح بالاستباحة، وتقديم الرشاوى، سواء كانت جنسية أو عاطفية أو مالية، إذ ليس هكذا تورد الإبل، وأن ال"النضج" وحده عاصم.
قد تقولين أن "التدين" يعصم، - مع تحفظي على المسمى- والحقيقة، والواقع يخبرنا أن هناك متدينون كثر غير ناضجين وسقطوا، فالتدين وحده لا يكفي،"ألهمها فجورها وتقواها"، فما المتدين سوى بشر بداخله الخير والشر،الفجور والتقوى، ووحده النضج والإرادة موجه وعاصم.
أرجو أن تكون الحياة بأحداثها التي مرت بك -على قسوتها- قد علمتك يا عزيزتي، أن هناك مساحات متنوعة، واسعة، في الحياة، ونحن من نختار لأنفسنا، فهناك من يمكث طويلًا في مساحة تجرع ألم الطعن، والغدر، والاستباحة، والاستغلال، وهناك من يمكث طويلًا أيضًا في مساحة البكاء على الأطلال، والندم، ولطم الخدود، والشعور بالذنب، وهناك من يأخذ جرعته الطبيعية من هذا كله إن كان قدره التألم، وينهض من أجل نفسه، ويستفيق، ولا يبق طويلًا في هذه المساحات، فيغادرها، تائبًا، فرحًا، شاكرًا لستر الستير، متعلمًا، ليكمل حياته بنسخة أفضل من نفسه، كمن لا ذنب له، ولا ألم نهشه، وقد أصبح أكثر نضجًا ووعيًا، فاختاري لنفسك.
أرجو أن تكون الحياة بأحداثها التي مرت بك -على قسوتها- قد علمتك يا عزيزتي، أن ما كنت تظنينه حبًا لم يكن هكذا، وأن الحب هو الجدية، والمسئولية، والالتزام، والرعاية.
أرجو أن تكون الحياة بأحداثها التي مرت بك -على قسوتها- قد علمتك يا عزيزتي، أننا يجب أن نتأدب في التعامل مع ماضينا بالتعلم منه، وإغلاقه، فلا نأسى عليه، ومستقبلنا بأن ندعه لمدبره، فلا نقلق، وأن نعيش حاضرنا حتى العمق، "هنا والآن"، فنسعد ما استطعنا، وهذا هو واجبك الآن مع نفسك، وخالقك، وزوجك الذي أهداه لك ربك.
وأخيرًا، حق زوجك عليك عاطفيًا وجسديًا، بدأ من لحظة وجوده، زوجًا، لا قبلها، ضعي نقطة من فضلك يا عزيزتي وابدئي من أول السطر، بصفحة جديدة، ونسخة أفضل من نفسك، كما أرد لك الله، ودمت بكل خير ووعي وسكينة.