للأسف يكثر هذه الأيام، إعادة نشر أو (تشيير) الصور الشهيرة بـ(أساحبي)، وهي صور تحمل في مضمونها سخرية من شخص ما، أو مؤسسة ما، وربما (للتريقة) على الجميع دون تحديد، وهو أمر لاشك مرفوض تمامًا في الإسلام، بل وحرمه العديد من العلماء، ومع ذلك لايزال منتشرًا بكل أسف.
فقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، قال رجل: إنّ الرجل يُحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟. قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»، وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛ وذلك حين ينظر المرء إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص.
شر عظيم
ومن يفعل ذلك، يساهم دون أن يدري في نشر صور تحمل السخرية من أناس قد لا يعرفهم بالأساس، أو لم يلتق بهم يومًا، وهذا الأمر إنما هو شر عظيم، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائن وأحقادا وعداوات، ويسبب في الخصومات والنزاعات، فحري بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقى في أقواله وأفعاله، ويحذر سبيل الهمازين اللمازين الذين يسخرون من عباد الله المؤمنين، ويستهزئون بدين رب العالمين؛ لينجو مع الناجين، ولا يهلك مع الهالكين.
ففي شأن المنافقين الذين يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويزعمون أن ذلك مجرد لعب ومزاح، نزل قول ربنا سبحانه: « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ » (التوبة: 65، 66).
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟السخرية من الآخرين
إياك - إياك، أن تسخر من أحد، وإياك أن تحتقر أحدًا، واعلم أن العبرة ليست بالأشكال والمظاهر والألقاب، فقد يكون الذي تسخر منه وتحتقره أحب إلى الله منك، وأعظم قدرًا عند الله منك، وأقرب من الله منزلة منك... فقد قال الله تعالى في سورة الحجرات: « يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (الحجرات: 11).
وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا» فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا» فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا».