تخيل عزيزي المسلم، أن الله عز وجل حين أراد أن يحسب لك حياتك، لم يذكر فيها الدنيا، فقد قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (14 المؤمنون).
وهنا مراحل الخلق، من (سلالة من طين، ثم يجعل النطفة علقة، فمضغة، فعظاما، ثم يكسوها لحمًا، وهنا يكتمل بناء البشر، ورغم ذلك ينتقل الله عز وجل مباشرة إلى الموت، ولم يذكر الدنيا بالأساس، إذ يكمل سبحانه وتعالى الآيات فيقول: «ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ* وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طرائق وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافلين»، فأين إذن دنيانا؟.. كأنها لم تكن.
سقطت لكن ليس سهوًا
ترى الدنيا سقطت من حسابات الله في هذه الآية تمامًا (وبالتأكيد ليس سهوًا) -حاشى لله من ذلك- وإنما لكي يعلمنا أنما حياة الإنسان الأهم ليست هنا، كأنه ولد لمراحل أخرى أكثر أهمية، على الرغم من أن الإنسان يعطي للدنيا اهتمامًا غير عادي، ويمنحها كل تركيزه، فيبكي عليها أشد البكاء إذا حسر فيها أمرًا، ويرقص فرحًا إذا اكتسب فيها أمرًا آخر، وهو لا يدري أنه هنا لبضع وقت قصير جدًا، مهما طال، سيذهب في النهاية إلى المرحلة التالية وهي (القبر)، وهي الأهم، قبل المرحلة الأكثر أهمية وخطورة، وهي رحلة البعث من جديد والوقوف بين يدي الله عز وجل، ثم إما نار خالدًا فيها، أو جنة خالدًا فيها.. نسأل الله عز وجل السلامة من النار والفوز بالجنة يارب العالمين.
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟مراحل خلق الإنسان
الإنسان خُلق على 5 مراحل، الأولى هي مرحلة الروح، ثم جنين في بطن أمه، ثم مرحلة الدنيا، ثم القبر، ثم البعث من جديد للحساب، ومع ذلك في الآية السابقة ذكر الله أربع مراحل فقط، ولم يذكر أبدًا (الدنيا)، فلو توقفنا قليلا هنا لأدركنا أن الأمر جلل، وأنه سبحانه ما كان يمتنع عن ذكر الدنيا إلا لأنها ليست بذات قيمة تذكر، ولأن طبيعة الجسم الإنساني تنتهي إلى الانحلال والفناء.
فقد قدر الله للإنسان أجلاً معينًا لا يتعداه ضمن نظام وضعه للإنسان وللحياة في وجوده وموته، ولكن ذلك لن يكون موتًا نهائيًا تنعدم الحياة فيه فلا تعود، بل إن هناك مرحلة جديدة لحياة جديدة يقدم الإنسان فيها حساب أعماله في الحياة الماضية أمام الله، من أجل حياة قادمة، ثم يأتي قوله تعالى «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ» ليتحقق بذلك الهدف النهائي لحركة الإنسان من الحياة إلى الموت، ثم إلى يوم البعث.