قد يتوق الإنسان لو أنه عاش ملكًا ولو ليوم واحد، وهو أمر بيد الله وحده، قال تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
لكن هناك صفة واحدة إذا اعتمدها الإنسان نبراسًا وهدفًا له في حياته، عاش كالملوك، بل وأكثر، فقد يكون بين الملوك من يفقد هذه الصفة، فيكون ملكًا شكلا لا نوعًا ولا كمًا، وهي أن يمتلك المرء عزة النفس، تلك الصفة التي قال فيها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله: «إنَّ عزّةَ النّفسِ تُضاهي جاهَ المُلوك»، لكن ليعلم الجميع أن الله سبحانه هو المعز الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البشر، قال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا» (فاطر:10).
العزة خُلق المسلم
العزة هي من الله، وهي أيضًا خلق يجب أن يتسم به كل مسلم، فلا يمد يده لأحد، بل يكد ويتعب، وإن كان دخله قليلا، فيبارك الله عز وجل فيه، وقد حرم الإسلام على المسلم أن يهون، أو يستذل، أو يستضعف، ورمى في قلبه القلق والتبرم بكل وضع يخدش كرامته وجرح مكانته، فالعزة والإباء والكرامة من أبرز الأخلاق التي نادى الإسلام بها، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهد نماءها بما شرع من عقائد وتعاليم، بينما في المقابل ذلة العباد لربهم ذلة بالحق لا بالباطل، أما ذلة العبد للعبد فباطل.
فقد حرم الإسلام الكبر وحرم على المسلم أن يكون مستضعفًا أو ذليلاً، يقول تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا » (النساء: 97).
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟كبرياء الإيمان
وهناك فرق كبير بين العزة والكبرياء، فالأولى موجبة على كل مسلم، بينما الثانية محرمة تمامًا، لكن لا ننسى أن اعتزاز المسلم بدينه هو من كبرياء إيمانه، قال تعالى: « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ » (المنافقون: 8).
ويروى أنه خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ومعه أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة فنزل عنها، وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا؟ تخلع نعليك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك، فقال عمر أوِّه لو قال ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.