من أغرب ما يمكن أن تسمعه في حياتك، أن أحدهم رأى شخص ما يتصدق، فذهب إليه، وقال له: "ألم تخش أن تطول الأزمة التي يعيشها العالم الآن، فيطولك الفقر"، ورغم أن السؤال يلجم الألسنة، بل قد يذهب بالبعض لأن يفكر في الأمر بالفعل، وربما يمتنع أحدهم عن التصدق.. أو قد يقول قائل : (ما نقص مال من صدقة)، وإن الله تعالى يقول: «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» (سبأ 39)، لكن الرجل المتصدق كانت إجابته أبعد وربما أشمل إذ قال بمنتهى الثقة: المُنفقين كالشهداء «لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، فكيف ذلك؟.
المنفق الشهيد
فقوله تعالى «لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون»، تكررت في 14 موضعًا من القرآن الكريم، منها 6 في سورة البقرة وحدها، لكن الأغلبية منها تصف حال المؤمنين، قال تعالى: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 38)، وقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 62).
وقوله أيضًا عز وجل: «بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون» (البقرة: 112)، إلا أنها أيضًا جاءت أيضًا في حق المُنفقين، ومنها مرتين في سورة البقرة، قال تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، وقوله أيضًا: «ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ».
اقرأ أيضا:
أخطرها فتنة النساء والمال.. كيف تتعامل مع الفتن وتنقذ نفسك منها؟الشهيد والصدقة
أما في حق الشهيد فقد جاءت في الآية 170 من سورة آل عمران «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».
ومن ثم لو بلغ أي شخص ما بعض القلق والخوف من أن يناله الفقر يومًا جراء إنفاقه وتصدقه، مع استمرار الأزمات العالمية، فليعلم أن ما ينفقه لن يمكن له أن يضيع أبدًا، فعليه أن ينتبه جيدًا للتشبيه.. المُنفقين كالشهداء .. "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".. وبالتالي أنفق .. فيكون لا خوف عليك ولا حزن.. فتأملوا وتدبروا.