هند بنت عتبة بن ربيعة، ما أن تسمع اسمها، حتى تظن أنها ماتت على الكفر وعداوة الإسلام، نظرا لما شاع عنها من شدة عداوتها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما شاع أيضا عن أنها مزقت بطن سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ولاكت كبده، في غزوة أحد، انتقاما منه بسبب قتله لأبيها وأخيها وعمها في غزوة بدر.
إلا أنك حين تبحث عن هند بن عتبة، تجد أنها أسلمت يوم الفتح وحسن إسلامها، وهي زوج أبي سفيان، حتى أنها شهدت معركة اليرموك مع زوجها، وماتت يوم مات أبو قحافة في سنة أربع عشرة من الهجرة.
نسبها يتصل إلى أنها هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وهي أم معاوية بن أبي سفيان.
قصة هند وطلاقها من زوجها الأول
كانت هند بنت عتبة زوجة لرجل في الجاهلية يدعى الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان الفاكه من فتيان قريش، فاتهمها بالفاحشة خطأً فطلقها، فأخبرت هند أباها أنه كاذب عليها، فحاكمه أبوها عتبة بن ربيعة إلى بعض كُهّان اليمن، فبرَّأها مما رماها به زوجها، وبشَّرها بأنها ستلد ملكًا يقال له معاوية. فوثب إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنترت يدها من يده، وقالت له: إليك عنِّي، والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة، والله لأحرصَنَّ أن يكون هذا الملك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان بن حرب، فجاءت منه بمعاوية.
غزوة أحد وعدواتها للإسلام
لما التقى الناس في غزوة أُحد ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضن على القتال، فقالت هند فيما تقول:
إن تقبلوا نعـانق *** ونفرش النمـارق
أو تدبـروا نفارق *** فراق غير وامـق
وفي يوم أُحد جعلت هند بنت عتبة النساء معها يجدعن أنوف المسلمين ويبقرن بطونهم ويقطعن الآذان إلا حنظلة؛ فإن أباه كان من المشركين، وبقرت هند عن بطن حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها. ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها:
نحن جزيناكم بيوم بـدر *** والحرب بعد الحرب ذات سعـر
ما كان عن عتبة لي مـن *** صبر ولا أخي وعمـه وبكـري
حقيقة أكل هند لكبد حمزة
يقول مرصد دار الإفتاء إنه لا يكاد يخلو كتاب من كتب السيرة أو التاريخ عن قصة أكل السيدة هند بنت عتبة رضي الله عنها من كبد الصحابي الجليل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في غزوة أحد، وهذه القصة رغم شهرتها إلا أنها تحتاج لأن تخضع للنقد للنظر في مدى ثبوتها.
وأشار إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه بقصة غزوة أحد، وفيها: «فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأكلت منه شيئا؟ قالوا: لا. قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار.أخرجه ابن سعد، وابن أبي شيبة، وأحمد من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود.
قال ابن كثير: «وهذا إسناد فيه ضعف أيضًا من جهة عطاء بن السائب». يعني: لأنه قد اختلط؛ ولذا قال الهيثمي في المجمع: «فيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
والراوي عن عطاء في هذا الإسناد هو حماد بن سلمة، وقد اختلف في سماعه من عطاء، هل سمع منه قديمًا قبل أن يختلط، أو بعد اختلاطه، ورجَّح الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه قد سمع منه على الحالين، والله أعلم.
ومع ذلك فالإسناد فيه علتان أخريان بخلاف اختلاط عطاء بن السائب:
أولهما: أن عامرًا الشعبي لم يسمع من ابن مسعود. قاله أبو حاتم، وكذا قال الدارقطني والحاكم.
ثانيهما: أن في المتن نكارة هي: «ما كان الله ليدخل شيئًا من حمزة في النار»؛ لأن هندًا أسلمت وحسن إسلامها، والإسلام يجب ما قبله.
اظهار أخبار متعلقة
- أخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير بقصة أحد، وفيها: «ووجدوا حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقر بطنه، واحتملت كبده، حملها وحشي، وهو قتله وشق بطنه، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر)
وهذا إسناد مرسل ضعيف؛ فعروة بن الزبير من مشاهير التابعين، وابن لهيعة كان قد اختلط بعد احتراق كتبه.
- وذكر القصة أيضًا ابن إسحاق في السيرة، قال: «قد وقفت هند بنت عتبة -كما حدثني صالح بن كيسان- والنسوة الآتون معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد عن الآذان والآناف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنافهم خذمًا وقلائد، وأعطت خذمها وقلائدها وقرطيها وحشيًّا غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطيع أن تسيغها.
وصالح بن كيسان رغم كونه ثقة، إلا أنه لم يدرك تلك القصة قطعًا، فهو من صغار التابعين، وقد عاش في زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وكان مؤدبًا لولده، فالقصة مرسلة.
- وقال ابن كثير: «وذكر موسى بن عقبة أن الذي بقر كبد حمزة، وحشي فحملها إلى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها.وهذا أيضًا مرسل؛ فموسى بن عقبة صاحب المغازي من صغار التابعين.
وأما ما ذكره الواقدي في مغازيه على لسان وحشي قوله: «فشققت بطنه فأخرجت كبده، فجئت بها إلى هند بنت عتبة، فقلت: ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلبي! فقلت: هذه كبد حمزة. فمضغتها ثم لفظتها، فلا أدري لم تسغها أو قذرتها.
فالواقدي نفسه متهم متروك، وقد كذَّبه الشافعي، وأحمد، والنسائي وغيرهم.
والخلاصة أن أكل السيدة هند من كبد سيدنا حمزة بن عبد المطلب غير ثابتة، بل وحتى قصة تأجيرها وحشيًّا لقتله لم تثبت أيضًا، بل الثابت هو الذي رواه البخاري في الصحيح؛ أن الذي أمر وحشيًّا بقتل حمزة هو جبير بن مطعم انتقامًا لقتل عمه ببدر؛ فعن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: «خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي، نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم...» ثم قال على لسان وحشي: «إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر...» إلى آخر القصة.
إسلام هند بنت عتبة
أسلمت هند بنت عتبة -رضي الله عنها- يوم الفتح وحسن إسلامها، فلما بايع رسول الله النساء وقال في البيعة: "ولا يسرقن ولا يزنين". قالت هند رضي الله عنها: وهل تزني الحرة وتسرق؟! فلما قال: "ولا يقتلن أولادهن". قالت: ربيناهم صغارًا وقتلتهم كبارًا.
وشكت إلى رسول الله زوجها أبا سفيان أنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها، فقال لها رسول الله : "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك".
ولما أسلمت هند -رضي الله عنها- جعلت تضرب صنمًا لها في بيتها بالقَدُوم حتى فلذته فلذة فلذة، وتقول: كنا معك في غرور.
مواقف هند بنت عتبة مع النبي
يقول عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا رسول الله، ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء أحب إليَّ أن يذلوا من أهل أخبائك، ثم ما أصبح اليوم أهل أخباء أحب إليَّ من أن يَعِزُّوا من أهل أخبائك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأيضًا، والذي نفس محمد بيده".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل هند بنت عتبة لما فعلت بحمزة، ولما كانت تؤذي رسول الله بمكة، فجاءت إليه النساء متخفية فأسلمت وكسرت كل صنم في بيتها، وقالت: لقد كنا منكم في غرور. وأهدت إلى رسول الله جديين، واعتذرت من قلة ولادة غنمها، فدعا لها بالبركة في غنمها فكثرت، فكانت تهب وتقول: هذا من بركة رسول الله ، فالحمد لله الذي هدانا للإسلام.
وتقول السيدة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم : لما قدم أبو العاص مكة، قال لي: تجهزي فالحقي بأبيك. فخرجت أتجهز، فلقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا بنت محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت لها: ما أردت ذلك. فقالت: أيْ بنت عم، لا تفعلي، إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك، فإن أردت سلعة بعتكها، أو قرضًا من نفقة أقرضتك؛ فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت: فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل، فخفتها فكتمتها، وقلت: ما أريد ذلك.
يوم فتح مكة
وخرج أبو سفيان حتى إذا دخل مكة صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قِبل لكم به؛ فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه وقالت: اقتلوا الحَمِيت الدَّسِم الأَحْمَس فقال أبو سفيان: لا يغرَنَّكم هذه من أنفسكم؛ فإنه قد جاءكم بما لا قِبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قبحك الله! وما تغني دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرَّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
لكن هند أسلمت في النهاية وحسن إسلامها بعد فتح مكة.
وفاة هند بنت عتبة
شهدت اليرموك مع زوجها، وماتت يوم مات أبو قحافة في سنة أربع عشرة.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها