تعد معركة اليرموك هي واحدة من أعظم المعارك في التاريخ الإسلامي على الإطلاق، فبعد تلك المعركة تغيرت خريطة الدولة الإسلامية ككل، فقد كتبت نهاية الروم في الشام، واليرموك هي وادي ويمر به نهر ينبع من جبال حوران التي تقع بين سوريا وفلسطين، وقبل موقعة اليرموك مر المسلمين بعدة معارك منها معركة أجنادين وفتح دمشق، وكانت اليرموك هي فصل الخطاب في فتح بلاد الشام كاملة.
هذه المعركة العظيمة وقعت في نهاية عهد أبو بكر وبداية خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت فتوحات الشام قد بدأت في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أبو بكر قد بعث خالد بن الوليد لقيادة الجيوش التي فتحت فارس، وكلف عمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل على رأس جيوش لفتح بلاد الشام، فلم علم هرقل بانتصارات المسلمون وتوجههم لفتح الروم، طلب مشورة أصحابه وأخبرهم أن المسلمين أهل دين جديد ولا قبل لأحد بهم وأنه يقترح أن يصالح المسلمون على نصف خراج الشام، لكنهم رفضوا.
وفي هذه المعركة الحاسمة أمر هرقل بعد ذلك بخروج الجيوش فبعث أخيه تذراق مع تسعين ألف مقاتل لملاقاة عمرو بن العاص، وبعث قائد يقال له القيلقلان مع ستين ألف مقاتل لملاقاة أبو عبيدة بن الجراح وكان شرحبيل بن حسنة من قادة جيش أبو عبيدة فأرسل له هرقل جيشًا أخر، ، وبعث جيش من خمسين إلى ستين ألف مقاتل بقيادة توذرا ليقابل يزيد بن أبي سفيان.
وفي هذه الأجواء علم أبو بكر بتجهيزات الروم فبعث إليهم وطلب منهم أن يتجمعوا في جيش واحد، وأرسل في طلب خالد بن الوليد من العراق ليقود الجيش في حرب الروم، فأتى خالد ومعه ستة آلاف وخمسمائة مقاتل لقتال الروم، فأصبح جيش المسلمين حينها من أكبر الجيوش التي جهزها المسلمون في ذلك الوقت، وأيضًا كان جيش الروم من أكبر الجيوش، ويقال أنهم كانوا مائتين ألف.
استغرقت المعركة تسعة أيام ظل خلال المسلمون يفون صفوفهم والروم أيضًا يصفون جيشهم، وقد خرج الفريقان ووجد المسلمون أن الروم يتجهون ناحيتهم ولكن الطقس في هذا اليوم لم يكن مناسبًا حيث كان المطر في ذلك اليوم غزير، لذلك قرر المسلمون عدم الاشتباك في هذا اليوم.
ومع اقتراب جيش الروم من صفوف المسلمون استعدوا له وكان اليوم التالي هو 5 من رجب سنة 15 للهجرة، وكان يوم صحو بدون مطر فقرر المسلمون بدء المعارك في ذلك اليوم، أتى الجيش الرومي واصطف في أرض مساحتها 10 كيلو متر، وعندا أكبر جيش كان دوي أصوات خيولهم كدوي الرعد، وكان الرهبان قد تقدموا جيش الروم ليحفزوا جنودهم.
لكن المسلمين لم يهزهم هذه الأعداد، وقد سمع خالد بن الوليد أحد الجنود يقول ” ما أكثر الروم وما أقل المسلمين” فلم يعجبه رضي الله عنه هذه المقولة، فخطب في الجيش وأمر الدعاة ليخطبوا في الجيش فخرج أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يقول للجنود يا عباد الله إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، فإن وعد الله حق، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار، فلا تبرحوا مصافكم ولا تبدأوهم بالقتال وأشرعوا الرماح واستتروا بالدروع ولا تتحدثوا إلا بذكر الله.
ثم قام عمرو بن العاص رضي الله عنه وخطب في الجيش أيضًا قائلًا” يا معشر المسلمين أشرعوا الرماح ولاتبرحوا مراكزكم فإذا حمل عليكم عدوكم أمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا في وجوههم وثوب الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه ويمقت الكذب ويعاقب عليه لقد بلغني أن المسلمون سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا”. [1]
بجانب مظاهر الشجاعة والصبر وقوة الإيمان التي ظهرت جلية في موقعة اليرموك تجلت أيضًا مظاهر الإيثار فنجد أن الكبير منهم يتواضع للصغير مثل أبو سفيان بن حرب وقد كان سيد قومه وقائدهم، لكنه قاتل تحت راية ابنه وكانت كلما هدأت الأصوات وقت المعركة يصرخ في المسلمين ليحثهم على القتال قائلًا ” يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين”.
ومما رواه عكرمة بن أبي جهل رضوان الله عليه قصة عن الايثار وكيف يفضل المسلم أخيه على نفسه أنه قال : قاتلت رسول الله في مواطن وأفر منكم؟ فمن يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور ومعهم أربعمائة فارس، فقاتلوا جميعًا أمام فسطاط خالد بن الوليد حتى جرحوا جميعًا واستشهد ضرار بن الأزور ورجال آخرون.
أما من بقي فبعد أن سالت منهم دماء كثيرة شعروا بالعطش وطلبوا الماء، فجيء لهم بالماء، فأخذ أولهم الماء ثم نظر لأخيه فأعطاها له ولم يشرب، ومررها الآخر لآخيه والآخر أخيه، ووصلت لأخرهم وفي النهاية استشهدوا جميعًا قبل أن يشرب أحدًا منهم رضوان الله عليهم جميعًا .[2]
وكان من القصص الغريبة التي حدثت أثناء المعركة هي خروج قائد من معسكر الروم يدعى جورجيه واقترب من صفوف المسلمين وطلب خالد بن الوليد، فخرج له خالد وهو رافع سيفه وحامل درعه، فطلب جورجيه الأمان من خالد بن الوليد، وقال له يا خالد أصدقني فإن الحر لا يكذب هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاك ياه فلا تسله على أحد إلا هزمته فقال خالد لا.
فقال جورجيه فلم يسمونك سيف الله المسلول، قال له خالد إن الله بعث فيه نبينا فدعانا فنفرنا عنه، وبعضنا تبعه وصدقته وبعضنا باعده وكذبه وقاتله وكنت منهم، ثم هدانا الله بع فتابعناه فقال لي أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين، ودعا لي بالنصر فسميت بسبف الله المسلول فأنا من أشد المسلمين على المشركين بدعوة رسول الله.
فقال له جورجيه بما تدعوني، قال خالد أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، فأعجب جورجيه بصدق خالد وطلب منه أن يعلمه الإسلام، فأخذه خالد إلى خيمته وعلمه الوضوء والصلاة وصلى جورجيه ركعتين، وكانت المعركة لم تبدأ بعد.
وبعد بدء المعركة انطلق يقاتل بجوار خالد بكل قوة وإقدام واستشهد في نهاية المعركة التي بدأها كافرًا وخرج منها مسلمًا، فقال خالد سبحان الله عمل قليلًا وأجر كثيرًا هذا فضل الله يؤتيه من يشاء