"لو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير لتمنت أن السنة كلها رمضان"، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخير رمضان لا يحل على روحانيات الإنسان، وجسده فحسب، بل و"نفسه" وصحتها أيضًا، ففي حين تغلب المادة ويهتم معظم الناس بصحة الاجساد، يأتي الصيام ليحدث الاتزان بين الروح والجسد والنفس.
اقرأ أيضا:
إشكالية العلاقة بين الأبناء والآباء.. من يربي من؟!في جامعة ستانفورد قام عدد من الباحثين بتجربة على مجموعة من الأطفال في ما عرف لاحقاً باختبار المارشميللو "حيث قاموا بترك كل طفل مع قطعة مارشميللو على أن الطفل الذي ينجح في الإبقاء على قطعة المارشميللو حتى مرور فترة من الوقت يحصل على واحدة أخرى، وإن أكلها فلا شيء عليه، ثم قاموا بمتابعة هؤلاء الأطفال خلال فترة المراهقة والشباب، وكانت النتائج أن الأطفال الذين استطاعوا
[تأجيل اللذة] حققوا معدلات أعلى من النجاح على المستوى العلاقاتي والشخصي، وبالنسبة للصيام فإن الفرد يتدرّب من خلال تأجيل اللذة المباحة لثلثي اليوم ثم الحصول عليها بنهاية اليوم، مما يدربه على اختبار أشد وهو تأجيل اللذة المحرّمة طيلة عمره من أجل الحصول على الجنة.
اقرأ أيضا:
هل يشابه أبناء المطلقين آباءهم ويستسهلون الطلاق؟وعن آثار الصيام العجيبة والصحية على الصحة النفسية، نذكر منها:
أولًا: يقوي الصيام في رمضان القدرة على قيادة "الدوافع، واشباع الاحتياجات بالقدر وفي التوقيت والحال المناسب.
فخلال فترة من شروق الشمس وحتى غروبها، يشعر الشخص باحتياجات جسدية مشروعة كالجوع والعطش، وربما يرغب في الاتصال بشريك حياته، لكن هذا لا يعني أنه منقاد خلف دوافعه، وما ذلك إلا بفعل وأثر الصيام.
ثانيًا: يساعد الصيام في رمضان على تقوية ملكة "الاختيار" و تغيير العادات المستحكمة والتي يشتكي الكثيرون من فقدان سلطتهم أمامها، فتصبح العادة لديهم إدماناً، تتكرر من تلقاء نفسها دون أي تحكم من صاحبها فليس له تدخل في تعديلها أو الامتناع عنها، فيما يعرف بالاعتماد/الإدمان النفسي.
ثالثًا: ﴿لعلكم تتقون﴾، هي الحكمة من الصيام كما أرادها الله، والتقوى هي حالة من النقاء الإنساني، يمكن وصفها بالملائكية، إذ يرتقي بالصيام فوق غرائز الجسد، ويهتم بشيء آخر خلاف المادة، ففي رمضان تحدث المشاركة النفسية للفقراء بالامتناع عن الطعام والشعور بمعاناة الفقير المعدم، يمر على أنواع الطعام والشراب ولا يستطيع مد يديه إليها، وفي ذلك الشعور ترقي روحي للشخص، وفي الوقت نفسه قدوته النبي صلى الله عليه وسلم، أجود ما يكون في رمضان.
رابعًا: ادراك معنى "التسليم"، وهو من معاني الصيام من جهة ومن أبرز معاني بيئة التعافي النفسي أيضًا، ففي الصيام انقياد لإرادة فوق الإرادة الذاتية، هي ارادة الله عز وجل، وهو غاية التعبّد والتسليم لله.
تسليم شامل، بالامتثال للعبادة، وترك المباحات، وتغيير العادات، وتسليم الرغبات والشهوات والارادة، وكل شيء لله.