مرحبًا بك يا عزيزتي..
قلبي معك.
كلمات الأسف لما حدث من والد أطفالك لا تصلح، تبدو ضئيلة وغير معبرة.
أحمد الله لك أولًا أنك نجوت بالطلاق من هذه العلاقة التي من الواضح أنها كانت مع شخص مؤذي، غير مسئول، وغير ناضج، وربما هو يعاني من خلل نفسي ما، فما قيل لا يصدر عن النبلاء، ذوي الخلق.
من الجرائم التي تحدث بعد الطلاق، أحيانًا، أن يسعى أحد الشركاء-سابقًا- أو كلاهم، لتشويه صورة الآخر لدى الأبناء، فيسبب لهم ضررًا بالغًا، يسمى في الصحة النفسية والطب النفسي، بمتلازمة الاغتراب الوالدي.
هذه العملية النفسية ليست وليدة اليوم، فقد تم صك هذا المصطلح عام 1985 على يد اختصاصي الطب النفسي ريتشارد جاردنر، حيث يعمد أحد الطرفين المنفصلين، لاستخدام الأطفال كورقة ضغط، عبر إبعادهم، وتغريبهم، بشكل إقصائي عن الطرف الأخر، وهو ما يتسبب في ظهور علامات وسلوكيات معينة لدى الطفل، توصف بالاغتراب الوالدي.
وقد أدرجت هذه الحالة، كحالة نفسية تندرج تحت بند "الضغط النفسي" لدى الطفل، الناجم عن مشاكل العلاقات بين الوالدين، التي يتم خلالها تشويه صورة أحد الوالدين من قبل الوالد الآخر، عبر سلسلة من الادعاءات التي قد تكون بسيطة أو شديدة للغاية، تقوم بتشويه صورة الوالد المدعى عليه في إدراك الطفل، بغض النظر عن مدى قوة العلاقة بينه وبين هذا الوالد من قبل، مما ينعكس على شعور وتصرفات الطفل حيال ذاك الوالد بدءً بإضمار الكراهية، وانتهاء بعدم الرغبة في رؤيته أو الحديث معه.
وبالطبع، هناك آثارًا نفسية لمتلازمة الاغتراب الوالدي على الطفل، أبرزها، الشعور بالغضب المتزايد، وتعلم هذا النمط المدمر للآخرين، وتبني وجهة نظر ملتوية تجاه الواقع، كما أنه يكون أكثر عرضة للكذب على الآخرين، وصدامية معهم، نتيجة لتعلم عقلية "نحن ضد الآخرين" ، كما أنه يرى الأشياء إما بيضاء أو سوداء، ويكون جاف المشاعر، مفتقدًا للتعاطف مع الآخرين.
وفي مثل حالتك، فغالبًا ما ينصح الاختصاصيون الطرف المدعى عليه، بأن يسارع بطلب التدخل والمساعدة المبكرة لحماية الأطفال من هذه الآثار السلبية، وبالطبع، هذا التدخل المبكر عبر مختص نفسي هو أفضل وقاية لأطفالك، مما لا تحمد عقباه، لاحقًا، خاصة مع استمرار مقابلتهم لوالدهم، واحتكاكهم به، وهو ما أراه لك، وأشور به عليك، فأنت يا عزيزتي لست طبيبًا ولا معالجًا نفسيًا، أنت أم، ومثقلة بالأعباء التربوية والاقتصادية كما ذكرت، وعلى أية حال فأنت لست مؤهلة علميًا للتعامل مع مثل هذا الوضع، حتى لو كنت أمًا متفرغة، أما المعالج النفسي فلديه ما يمكنه من تقديم العلاج المناسب لكل طفل على حده بحسب مرحلته العمرية، ونموه النفسي، فأنت قلت أنك تشعرين أن ابنك الأكبر حالته أشد، ولكن الحقيقة أنهم جميعهم، حتى أصغرهم صاحب السنوات الثمانية محتاج لمن يمحو هذا التشوه الذي حدث، إذ هو نقش على طين لين سيجف لاحقًا، وسيظل ماحدث في الذاكرة، واللاوعي، منتظرًا اللحظة المناسبة ليطفو على سطح المشاعر والتصرفات والأفكار.
والحقيقة أن جميعكم محتاج للإرشاد النفسي، حتى يتم التعامل بشكل صحي مع هذا الحدث، بما يضمن الحفاظ على صحتك النفسية، وصحة أولادك النفسية، وعلاقتكم الوالدية الصحية، فلازال المشوار طويل ورحلتك مع أولادك، ليست بالأمر الهين، وأنت بحاجة ماسة لمن ييسر لك هذا المشوار ويعبّد لك طريقه، من هذه العثرات، ومما سيستجد، وفارق كبير بين من يسير في طريق ممهد، ومعه أداة إنارة، ويبن من يمشي في طريق وعر مظلم.
عزيزتي..
لقد حباك الله بنعمة هؤلاء الأطفال، ومن تمام شكر النعمة، حمايتها، والحفاظ عليها، ليس فقط بتلبية الاحتياجات المادية – على أهميتها القصوى- ولكن تلبية الاحتياجات النفسية، فالحفاظ على صحة النفس مع الجسد هو منتهى القيام بالمسؤولية.
لعله خير!
نعم..
لعله خير أن أكرمك الله بهذا، وشرّفك بتحمل هذه المسؤولية، فاقبليها، كمنحة، لا محنة، وطريق للجنة، مهما قابلت من صعوبات في الدنيا.
عزيزتي..
من حقك الوقوف ضد محاولة اغتيالك المعنوي هذه من قبل والد أطفالك، ورفضها، وأول المطلوب حتى يتحقق هذا، ألا تصدقي ما قيل عنك، وأن تشعري بالاستحقاق، والاحترام، والاهتمام، والقوة، حذار أن يؤثر ما حاول إلقاؤه داخلك من خلال أطفالك – فهو يعلم أنهم سيوصلون هذا إليك- سلبًا على صورتك الذاتية عن نفسك كمطلقة، وربما يعزز هذا نظرة مجتمع مشوهة، وتصورات خاطئة، شائعة.
اجلسي مع أطفالك وحدثيهم عن الطلاق كحالة إجتماعية، شرعها الله، وأنها ليست "وصمة"، فالله لا يشرع لعباده ما يصمهم، ويعيبهم، وينقص منهم، واحكي لهم عن الصحابيات المطلقات، وكيف كان المجتمع وقتها يتعامل معها، وتذكري أنك ستفعلين لأنك "مربية رجال"، ومن الواجب فعل هذا سواء قال والدهم ما قاله أم لا، إذ ليس الهدف هو الرد، والانتقام، بل التربية.
لا تنحدري لمستوى والد أطفالك، فتردين الإساءة، والإهانة بأي شكل، وتذكري أن المتضرر الأول هو أولادك، وأنك هنا ستتساوين معه في الحماقة، وانعدام المسئولية.
أتفهم تمامًا صعوبة الأمر، ولكنني أرى فيك عقلًا ناضجًا، ونفسًا كبيرة، ستختار السير في سكة العافية النفسية، لك ، ولأولادك، لتحتفلي غدًا بنفسك وبهم.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟اقرأ أيضا:
صديقتي تريد الانتحار وأهلها رافضون ذهابها إلى طبيب نفسي .. كيف أنقذها؟