الصحابي الجليل سلمة بن عمرو بن الأكوع، واحد من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة، وكان من فرسان الصحابة ومن علمائهم، كان يفتي بالمدينة وله مشاهد معروفة في حياة النبي وبعده، توفي بالمدينة وقد جاوز السبعين سنة.
الصحابي الجليل كان شجاعاً رامياً سخياً خيراً فاضلاً وكان من الشجعان ويسبق الفرس أي الخيل عدوًا قال العطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن رزين: أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة فأخرج إلينا يدًا ضخمة كأنها خف البعير فقال بايعت بيدي هذه رسول الله قال فأخذنا يده فقبلناها (5) قال مولاه يزيد: رأيت سلمة يصفر لحيته وسمعته يقول: بايعت رسول الله على الموت وغزوت معه سبع غزوات.
وخلال المشاهد التي حضرها الصحابي الجليل ظهر برعاته في اصطياد الكافرين بالسهام فهو رام لا يخطئ أبدا وعداء لا يسبق ومقدام لا يهاب ومغامر لا تنتهي عجائب مغامراته تقرأ أخبار بطولاته فيخيل إليك أنه درب من الخرافات والأساطير وما هي كذلك فقد رواها الشيخان وأثبتاها في صحيهما فاعتنق الاسلام وهاجر إلى الله ورسوله صلّي الله عليه وسلم وخلف ورائه كل ما يملك وعمل في المدينة سائس لفرس طلحة بن عبيد الله من أكل طعامه .
ذات يوم خرج رسول الله صلّي الله عليه وسلم بخمسمائة من أصحابة وفيهم سلمة بن الأكوع يريد العمرة فلما نبأ قريش نبأ خروجه قامت له تريد أن تصد رسول الله عن البيت الحرام ، فنزل عليه السلام بمن معه في الحديبية ثم أوفد عثمان بن عفان إلى مكة المكرمة سفيرًا بينه وبين قريش ولكن الأخبار ما لبثت أن جاءت أن قريش قتلت عثمان فعزم الرسول صلّي الله عليه وسلم على حربهم ودعا المسلمين الذين معه إلى مبايعته على القتال والموت .
وكان الصحابي الجليل قدبايع رسول رسول حيث سرد هذه القصة علي لسانه قائلا : لما دعانا رسول الله صلّي الله عليه وسلم إلى مبايعته عند الشجرة بايعته أول الناس وبدأ المسلمون يبايعونه حتى إذا بلغ نصف الناس التفت إلي وقال بايع يا سلمة فقلت قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس
ومضي الصحابي الجليل قائلا :وأيضًا فبايعته الثانية وعند ذلك رأني عليه الصلاة والسلام أعزل من السلاح فأعطاني ترس احتمي به ثم جعل المسلمون يبايعونه حتى إذا بلغ أخر الناس التفت إلي وقال ألا تبايعني يا سلمة فقال قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي وسطهم وأيضًا فبايعته الثالثة ، ثم نظر إلى يدي وقال أين الترس الذي أعطتيك فقلت يا رسول الله لقيني عمي عامر فوجدته أعزل فأعطيته إياه فضحك رسول الله صلّ الله عليه وسلم .
قال سلمة إن المشركين راسلونا بالصلح فاصطلحنا وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض فأتيت شجرة وكنست ما تحتها من شوك وجلست في ظلها وما هو إلا وقت قليل حتى أتاه أربعة من المشركين فعلقوا اسلحتهم على الشجرة وجلسوا قريبًا منه وجعلوا ينالون من رسول الله صلّي الله عليه وسلم ، فأبغضهم وتحول عنهم خوفًا من أن يبدئهم بالقتال
وبينما هم كذلك إذ نادى منادي من أسفل الوادي لقد قتل المشركون ابن زنيم وشهر سيفه ووثب على أسلحتهم فجعلها حزمة في يساره وشدد عليهم قبل أن ينقضوا كل ذلك في طرفة عين ثم بادرهم قائلًا : والذي أكرم وجه محمدًا صلّي الله عليه وسلم لا يرفع أحدُ منكم رأسه إلا ضربت عنقه ثم أوثقتهم وجئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم.
بل إن الرسول صلّي الله عليه وسلم مضى بأصحابه ومعه سلمه بن الأكوع حتى بلغ المدينة المنورة وما إن استقر حتى أمر غلامه رباح أن يخرج بالإبل حتى يرعاها في البادية فعزم سلمة على أن يخرج معه حتى يرعى فرس طلحة بن عبيد الله أيضًا ، توشح قوسه وحول نباله وانطلق هو صاحبه حتى بلغ مكانًا شمال المدينة يقال له الغار فأراح فيه وبات هناك ليلتهما .
وفي الوقت الأخير من الليل استيقظا على كتيبة من فرسان غطفان مكونة من 40 فارسًا أغارت على أبل رسول الله صلّي الله عليه وسلم وقتلت ولد لأبي ذر الغفاري كان عند الإبل وعند ذلك قال لرباح خذ هذا الفرس وأديه إلى صاحبه وأخبر رسول الله صلّي الله عليه وسلم أن المشركين أغاروا على أبله .
ويكمل الصحابي الجليل :وقال سلمة ثم ارتقيت أكمه فوق ثنيه الوداع واستقبلت المدينة وناديت بأعلى صوتي وااااه صباااحاه ثلاث ثم خرجت أعدو في إثر القوم حتى غدوت غير بعيد منهم فوترت قوسي ورميت واحد منهم بسهم فاستقر في كتفه فقلت خذه وأنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع ثم طفقت أطردهم وأرميهم وأنا أقول الشعر وكانوا في كل مرة يخلفون ورائهم بعضًا من أبل رسول الله صلّي الله عليه وسلم فأجعلها خلفي وأمضي في إثرهم
لم يمل الصحابي من استكمال القصة علي لسانه :فإذا رجع إلي فارس منهم يريد قتلي توقفت عن العدو والتمست شجرة وجعلت أرميه فيرتد عني ثم ما زالت أطردهم حتى دخلوا في طريق ضيق يكنفه جبلين فتسلقت أحدهم وجعلت أهيل عليهم الحجارة ، من أعلاه فتتساقط فوقهم وأخذت ابل رسول الله صلّ الله عليه وسلم وأخذوا يتخففوا من أثقالهم فخلفوا 30 بردة و30 رمح .
فصول المعركة لم تنته حيث يواصل سرها الصحابي الجليل سلمة بن الاكوع فكلما رموا شيئًا جعلت عليه علامة من الحجارة حتى يهتدي إليه رسول الله صلّي الله عليه وسلم ثم خلفتهم وأدركني الإعياء فجلسوا يستريحون ويتغدون وجلست على رأس جبل غير بعيد عنهم أنظر إليهم وأرقبهم وبينما هم كذلك أتاهم رجل من قومهم ونظر إلى ما حل بهم وقال ما هذا الذي أرى فأشاروا إلي وقالوا : لقينا من شؤم هذا الرجل ما لقينا فولله ما فارقنا منذ الغلس وهم يرمينا حتى أتنزع منا كل شيء في أيدينا .
مشاهد المعركة أوشكت علي النهاية بحسب الصحابي الجليل حيث تابع : فليقترب نفر منه فلما اقتربوا منه بحيث يسمعون كلامي قلت لهم هل تعرفونني فقالوا لا ومن أنت فقلت أنا سلمة بن الأكوع لا أطلب رجل منكم إلا أدركته ولا يطلبني رجل منكم فيدركني ، فقال أحدهم أنا أظن ذلك ثم رجعوا عني فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلّ الله عليه وسلم قد أقبلوا من المدينة أولهم الأخرم الأسدي وعلى إثره أبو قتادة الأنصاري وعلى إثره المقداد بن الأسود فما إن رأهم القوم حتى هبوا وولوا مدبرين ..