الإيمان والعصر (حلقة 11) - (قدرك تصنعه بيديك)
مازلنا مع أفكار التجديد لانقترب من الثوابت لكن نعيبد الفاعليه لديننا . تكلمنا عن الأخلاق والقرآن ونبدء الحديث عن مفاهيم الإسلام التي عطلنا الفاعلية منها وحولناها إلى مفهوم سلبي .
وسنبدأ مع مفهوم خطير فمناها خطأ وهو مفهوم عميق في ديننا ولكننا فهمناه خطأ فأحدث مشاكل كثيره .. هذا المفهوم هو القضاء والقدر .
لقد فهمنا القضاء والقدر على أنه استسلام وعجز وسلبيه .. نزعنا الفاعلية من ديننا وحولناه لدين غير فعال.
خلطنا بين فكرة الرضا بقدر الله " أن تؤمن بالقدر خيره وشره " وبين فكرة الاستسلام والعجز والسلبيه.
حولنا القضاء والقدر من إنه أصلاً مشروب طاقة إلى مخدر وسنرى كيف حدث ذلك .
يقول أحدهم : أن الله خلق الناس درجات وفضل بعضهم على بعض .. وقد كتبنا الله فقراء لحكمه أرادها.وقدره كله خير ولذلك علينا أن نرضى بقضاء الله فينا. ويقول الآخر: أنا فقير و أبي فقير وجدي كان فقير .. هذا قدر الله في عائلتنا. كتب الله علينا الفقر وينبغي أن نرضى به وسنستمر في دائرة الفقر المغلقه أولادنا و احفادنا وعلى المؤمن الصادق أن يرضى بقدر الله .
هل هذا ما يريد الله .
فهمنا القضاء والقدر على أنه إجبار من الله لنا على أفعالنا .. الجبرية .. فينشأ الإلحاد والتشكيك فلماذا يحاسبنا إن كان أجبرنا على أفعالنا .. ومامعنى الحياة .
وصل فهمنا للقضاء والقدر أن نرضى بالذل لأن هذا قضاء الله وقدره ومش كده وبس لا وكمان لازم تكون راضي ولا بمعنى ذلك إن إيمانك ناقص .
الرضا معنى جميل لكن قبول الفقر والذل والسلبيه والعجز ليس رضا بالقضاء والقدر .
كيف حدث هذا المفهوم السلبي الخطير .. بدأ الأمر من السياسة في عهد الدولة الأموية حيث استخدمت أرادة الله لتكون مبرر شرعي للسيطره والحكم.ومع الوقت تطور من الجانب السياسي إلى أن أصبح رؤية اجتماعية عامة تشمل كل أحداث الحياة .
انعكس هذا المفهوم على كل ثقافة المسلمين حتى صارت عبارة " إن شاء الله " علامة على تركنا الأمور تسري بلا فعل منا .. بلا تدخل منا .. حتى صارت علامة على عدم افعل .. " اللهم أهلك الظالمين بالظالمين " وأنت ماذا ستفعل ؟ انا مستسلم للقضاء والقدر . الأمر بين الله والظالمين وأا لا دخل لي .. انا راضي .
بل انعكس ذلك حتى على الأمثله الشعبيه
من رضي بقليله عاش .. و من خاف سلم .. يابخت من بات مظلوم ولا باتشي ظالم .. علقه تفوت ولا حد يموت ... المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين
ديننا بريء من ذلك، لكن فهمنا المتراكم له عبر القرون ليس بريئاً من ذلك البتة..
ولا يزال سؤال: "هل الإنسان مخير أم مسير؟" يثقل عقولنا، ولو كان السؤال مطروحاً حقاً في القرون الأولى لما حدث ما حدث من نهضة وبناء..
الأسوء من ذلك أن الردود على ذلك السؤال لا تزال لا تجيب حقاً على السؤال، بل تناور، تقول ولا تقول، لن تجد من يقول لك بوضوح: إن الإنسان مسير أو مخير.. بل هي لفّ ودوران على المعاني فيما يجب أن يكون قضية واضحة لا تحتمل اللبس أو الغموض..
فلنقرأ بعض ما يقوله الخطاب التقليدي السائد في هذا الشأن بلسانه..
(..فمشيئة العبد وإرادته واختياره هي جزء من قدر الله عز وجل الذي كتبه ليجازيه ويحاسبه عليها، ولكنها لا تكون إلا بعد مشيئة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى )
فما معنى هذا الكلام أنه هل نحن مجبرين أم غير مجبرين على أفعالنا .. كانت النتيجة أننا غير مجبرين بس تقريباً مجبرين .
وهنا انهارت فكرة العمل والسعي و الأنتاج .. فما دمنا لا نفعل "حقاً".. فلِمَ علينا أن نسعى لشيء؟... الله هو من سيفعل ويجعلنا نسعى إن شاء.. وإن لم يشأ لن يحدث شيء.
لِمَ علينا أن نحاول ما دام الأمر في النهاية محسوم، مضمون، كما رزق الدابة مضمون...؟ لم علينا أن نبذل جهداً..؟ بل كيف سيكون لدينا الإرادة لكي نبذل جهداً؟...
لقد ماتت الإرادة... فماذا بعد؟!
فبدأ يظهر ملحدين أو رافضين للديم وظهرت جملة الدين أفيون الشعوب .. ديننا بريء أن يستخدم كمخدر . القضاء والقدر مشروب طاقة حولناه إلى مخدر .. فماهو المفهوم الصحيح ؟
بل لو حدث فرضاً وجدلاً أن تعرف على سلوكياتنا شخص من جيل الصحابه .. لاستغرب جداً من ربطها بما فهمه هو من نصوص الدين على نحو مختلف جداً.. بل متناقض جداً.. سيستغرب من رضانا بالقضاء والقدر على أنه وسيلة لعدم العمل، والرضى بالواقع كما هو.. سيستغرب من استخدامنا لعبارة "قدر الله وما شاء فعل" في سياقها التحسري الذي نعبر فيه عن عدم قدرتنا على فعل شيء ما.. قد يصرخ بنا أن لا.. إننا قد فهمنا كل شيء على النحو الخاطئ.. وأنهم لو كان لديهم فهمنا نفسه لبقوا كما هم.. كما كانوا في الجاهلية... مجرد قبائل متناثرة تعبد أصناماً قبيحة، وتتقاتل لأجل فرس سبقت أخرى.. لو أنهم فهموا الركن السادس من أركان الإيمان " أن تؤمن بالقدر خيره وشره " كما تم" تلقيننا" إياه لَمَا خرجوا من مكة، ولَمَا بنوا المدينة، ولما فتحوا العالم.
العجيب أن فكرة القضاء والقدر كانت المحرك القوي للصحابه للأنطلاق لبناء حضارة الإسلام فكيف تحولت هي هي نفس الفكره إلى سبب لقبول الفقر والرضا به .
كيف تحول مشروب الطاقه الهائل ليكون مخدراً لنا ؟
فكيف فهمها الصحابة .
أولاً: كتاب الله لأفعالنا كتابة علم وليست كتابة إجبار .. مثال الأب و أولاده الثلاثة
انا لايمكن أقبل فكرة اننا مجبرون على اعمالنا فهل يعقل بعد كل ذلك أن نكون مجبرين على أفعالنا .. إن ألف باء العقل والإيمان يرفض هذه الفكره .. إن فكرة الإجبار تتنافى تماماً مع فكرة أنك خليفه مسئول عن اعمار الأرض .. لايمكن أن تلتقي الفكرتان إنهما متنافرتنا تماماً .. بل إن كل آيه في القرآن وكل فعل أمر في القرآن يعني أنه يكلفنا بأمر ما، وما دام يكلفنا، وهو العدل الحق الحكم، فإنه لايمكن إلا أن يترك لنا الخيار في الفعل.. بل إن نزول الشرع، نزول الكتب السماوية، سيكون بلا معنى لو كنا مقادين إلى أفعالنا.. كما يقاد الرجل الآلي عبر البرنامج المعد مسبقاً بلا خيار.. ما معنى نزول الرسالات؟ وما معنى بعث الرسل؟ وما معنى تبليغنا بهذه الرسالات إذا كنا سنفعل بالضبط ما سنفعله لو لم يتم تبلغينا بها؟ ما معنى أن يكون وجودنا امتحاناً.. أو ابتلاءً.. إذا كنا غير مسؤولين عن أدائنا في هذا الامتحان؟ كل شيء سيكون مثل مسرحية لا معنى لها.. تمثيلية نحن فيها ممثلون نقرأ من نص أُعدَّ مسبقاً دون أن نملك "خروجاً" عن النص..
وهذا كله ضد الإيمان بعدل الله وحكمته
وهكذا فعندما قال تعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)) فإن مقصد الآية واضح، كل ما نسعى إليه، ونكسبه بعملنا وفعلنا واختيارنا وإرادتنا.
وعندما قال: ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) فلم يقصد قط أننا لسنا نحن من يعمل هذا العمل الذي سيراه الله ورسوله والمؤمنون .
كل آية، ونشدد هنا على كل آية، فيها ذكر للنوع الإنساني أو خطاب له، حساب، عقاب، ثواب.. تكليف..كلُّها تقف ضد من يَدَّعون أننا مجبرون على أفعالنا حتى ولو كانوا يغلفونه بأزياء تنكرية.
إذاً فما معنى القضاء والقدر .. كيف نفهمه بشكل إيجابي
القدر ليس شيء ضيق اغلقه الله عليك .. من أسماء الله الواسع
قاعدة : كل قدر صعب يمر بك به مساحات واسعه ومسافات واختيارات فتحها الله لك للخروج . وعليك التفكير والجهد والبذل لتنتقل إلى قدر جديد أجمل وأفضل لك وبالتالي فالقدر يدفع نحو الإيجابية لأنك متأكد أنه واسع مش ضيق فصار القدر فكرة إيجابية دافعه وفعالة للحركة وليس مخدر.
القدر معناه .. هذا التحدي امامك ولن يضيق عليك الله الأختيارات .. هيا تحرك لقدر جديد أفضل .
القدر الجديد هو محصلة اختياراتك بين الاختيارات المختلفه تظهر هذه الفكره بوضوح في سورة طه .. في قصة موسى عندما كلفه الله بالرساله .. فقال له : ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ ) فالقدر في الآيه واضح أن القدر هنا .. موسى كان أمامه أختيارات مختلفه تفاعل معها بشكل إيجابي أو سلبي .. أدى ذلك إلى انتقاله من اختيار إلى اختيار حتى جاءت لحظة تكليفه بالرساله وكل ذلك من قدر الله .. عندما تسمع هذه الآيات تتحرك فيك طاقات هائله للعمل لتغيير واقعك نحو الأفضل .. كيف تحول الإيمان بالقدر والرضى به من كونه دافعاً إلى العمل في كل الظروف، أسوئها وأحسنها، خيرها وشرها.. إلى وسيلة للتسكين والتخدير.. وسيلة للقبول بالواقع كيفما كان.. مهما كان سيئاً وبعيداً عما أراده الله..؟! يجب أن نمحو هذا الفهم الخاطىء لنعود للمعنى الصحيح الذي أراده رب العالمين .هكذا يكون القدر مشروب طاقة إيجابي وليس مخدر .
اذاً حتى الآن قلنا
الله لم يجبرنا على أفعالنا .. وإنما كتابته لأفعالنا كتابة علم وليست كتابة إجبار.
القدر ليس ضيق بما فيه مساحات واختيارات وعليك أن تتحرك لتنتقل إلى قدر أفضل .
ستقول لي لكن أليس معنى أن تؤمن بالقدر خيره وشره أني مجبر عليه .. لا الخير والشر في موقفك منه في تعاملك معه .. هل ستسلم لهذا الأختيار أم ستترك إلى اتجاه آخر .. كن إيجابي واقم مساحة جديدة . فالله لم يجبرك على طريق واحد ضيق لكن فتح لك طرق متعددة .
محمد الفاتح .. القدر وفتح القسطنطينيه
يروى أنه في الأيام الأولى لتولي محمد الفاتح (رحمه الله) الخلافة بعد موت أبيه .. ثارت المشاكل في وجهه، وكان صغير السن، لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره ، وظن الناس أنهم يستطيعون التلاعب به. فبدأ الولاة في أثارة المشاكل رغبة في الاستقلال فكانوا يجسون النبض ليروا قدرة الخليفة الجديد على ضبط الأمور. وبدأ جيران الدولة وأعدائها في الخارج يثيرون الزوابع ليروا إن كان قد حان الوقت ليقتطعوا بعض الأجزاء من الدولة العثمانية ويضموها إلى دولهم أم لا.
وبعض المشاكل أثارها ضعاف النفوس ممن يرغبون في الحصول على عطايا ومنح السلطان ، وغيرها الكثير .
و كان السلطان يناقش هذه المسائل مع وزيره باستمرار.وفي إحدى جلسات النقاش الحامية اقترح الوزير على السلطان أن تُرتب هذه المشاكل حسب أولويتها كي يشرع السلطان في معالجتها واحدة تلو الأخرى.
هنا قال السلطان كلمة شديدة القوة والعجب ...
قال : وهل سأقضي عمري كله في حل المشاكل ، أعطوني خرائط القسطنطينية . الحصن الذي قهر كثيرا من الملوك والسلاطين ، وبدأ بالفعل في تجهيز الدوله لهذا الهدف البعيد ، وتحقق الحلم ، وتبخرت مشاكله الآنية أمام تيار عزمه وهدفه الكبير .
لقد وجد أن المشاكل أمامه لاتنتهي وستهلكه لامحاله فبحث لنفسه عن مساق جديد في مساحة واسعه .. كتب بها قدر جديد له ولبلده وغير تاريخ البشرية بذلك .
هذه الطرق والمساحات الواسعه في قدر الله يعبر عنها أهل الإيمان وعلم القلوب بكلمات مؤثرة وهي .. إن الله كلما أغلق باباً فتح لك أبواباً .
انظر ماذا يفعل النبي مع من تحججوا بالقدر عن العمل .
رجل امام النبي غلبه رجل آخر على ماله فسكت .. فقال المغلوب: حسبي الله ، فغضب النبي، ورأى ظاهر هذه الكلمة إيمانًا، وباطنها عجزًا، فقال: " إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله " . هكذا صحح له النبي ص مفهومه الخاطئ عن القدر ... فالرجل يريد أن يريح نفسه التي ستؤنبه على الهزيمة .. فبادر بإعطائها "جرعة تنويم قدرية " .. هو يرى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، غير أن رسول الله ص وجهه إلى أن هذا السلوك إنما هو سلوك العاجزين لا سلوك المخبتين الراضين بقدر الله .... الخلاصة القدر ليس شماعة يعلق العاجزون عليها عجزهم .
مع علي .. أخرج مسلم في صحيحه عن عليٍّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , طَرَقه وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَيْلَةً ، فَقَالَ : أَلا تُصَلِّيَانِ ؟ فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ , عَزَّ وَجَلَّ , فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهَا بَعَثَهَا ، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يُرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ , وَيَقُولُ : وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا"
تعلل عليٌّ بالقدر وعجب رسول الله من تعلله بالقدر في الركون إلى الراحة ... تعجب من فهمه للقدر على هذا النحو ... كم ضاع منه من الخير بهذا الفهم ... غير أن عليا حين يقص هذه الواقعة بنفسه ,
فإن ذلك يدل دلالة قطعية على تركه لهذا المفهوم ؛ لأنه لا يتصور أن يظل على ما هو عليه بعد أن فهم من فحوى استدلال الرسول ص بالآية أن مفهومه عن القدر ليس في محله .
ملاحظة : يستعمل العوام هذا المفهوم في قولهم " بركة جت منك يا جامع " ...كم خسرنا من خيرات بسبب بركة جاءت منك يا جامع !!
كان "ريك فان" إنسانًا يائسًا بجدارة. فهو عاطل بلاعمل .. وهو غير محبوب وليس لديه أصدقاء . كانت زوجته هي صديقته الوحيدة .
كان ينفق ماله على السهر واللهو، يدخن 3 علب سجائر في اليوم، يشرب الخمر، وانعكس سلوكه وإهماله على هيئته وصحته، فكان يبدو أكبر من عمره بعشرات السنين.
في ذلك الوقت رزق ريك بطفلة صغيرة جميلة سماها مادي. وبمجرد ولادتها غيرت هذه الطفلة حياته رأسًا على عقب، وجعلت لحياته هدفًا ومعنى .
لكن الأطباء اكتشفوا بعد مرور شهرين على ولادتها إصابتها بشلل دماغي. كانت الصدمة أكبر من أن يحتملها الأبوان؛ فانهارا معًا، ولم يعد ريك اليائس الوحيد في منزله، فزوجته صارت في حال يرثى لها، ودخلا في دوامة من الحزن والإحباط لأسابيع.
لكن فجأة استيقظ ريك من غيبوبة الألم، إذ شعر بحاجة ابنته إليه. كبرت البنت وكبر أمل ريك وزوجته في أن يمنحاها سعادة تعوض حرمانها من الصحة التي يتمتع بها معظم الأطفال. لاحظ ريك أن ابنته كلما حملها على كتفه وخرج بها إلى الشارع ابتسمت وتوقفت عن البكاء؛ فأصبح يحملها على كتفه يوميًّا حتى يكافئ نفسه بابتسامة يقطفها من وجه ابنته.
أمسى ريك يسير بها طويلاً في الشارع .. ساعات و ساعات دون أن يشعر بتعب أو ضجر. كانت سعادتها التي تطفو على ملامحها البريئة بمثابة قارورات المياه التي يوزعها المتطوعون على المتسابقين المرهقين.
وذات يوم استوقفه جاره وهو يحمل ابنته .. قال له : أنت تحمل مادي ساعات طويله على كتفك دون تعب أو ملل فلماذا لاتشارك في سباق المارثون بالمدينه و أنت تحملها ؟
نقل ريك اقتراح جاره إلى زوجته التي فرحت بالفكرة وبدء ريك يتدرب على حمل طفلته لكن بسرعات أكبر، حتى يستطيع المنافسة في الماراثون. لم تمض 4 أشهر من تدرب ريك على الجري حاملاً ابنته حتى فتح باب التسجيل في ماراثون لندن.
شارك ريك في السباق.. سجل رقمًا متواضعًا، لكن حضوره خطف الأنظار من كل الأبطال. رافقته طوال السباق عدسات المصورين والقنوات التلفزيونية. رصدت خطواته وابتسامة ابنته لساعات.. راقبت إصراره وبسالته بزهو.
في اليوم التالي تصدر ريك عناوين السباق، وكان ضيفًا على العديد من المحطات التلفزيونية.
تحول ريك من إنسان تعيس محبط إلى إنسان عظيم تزهو به أسرته الصغيرة ووطنه.
هذا الاهتمام الكبير الذي حظي به ريك جعله يشارك في سباقات الثلاثي "ترياثلون"، وهو أشبه بالماراثون، يبدأ بالسباحة ثم ركوب الدراجات، وينتهي بالجري. ورافقت مادي والدها في هذا السباق الثلاثي تارة على كتفه وأخرى على ظهره.
كان مشهد ريك مؤثرًا وهو يحقق مركزًا متقدمًا ويفوز على مئات المتسابقين وهو يحمل ابنته (13 عامًا) وهم لا يحملون شيئًا.
يعتبر ريك ابنته قلبه، وهي تعتبره قدميها، فشكلا ثنائيًّا ملهمًا لا ينساه التاريخ. استطاع ريك أن يحول مأساته إلى قصة نجاح. أطلقت الصحافة البريطانية عليه لقب "أبو القرن" إثر ما قدمه لابنته ومجتمعه، لكنه رفض اللقب مرجعًا الفضل في ما حققه لابتسامة ابنته التي يصفها بأنها "الأجمل في العالم"! هكذا تتحول مصائب القدر إلى انتصارات .. أمامك أختيارات ومساحات ومسافات و أنت صاحب القرار.
أما أن تستسلم وتشكو القدر و أما أن تدفع القدر بقدر جديد ..
عليك أن تؤمن بفكره مدافعة القدر بالقدر .. عليك أن تعيش بها .. تراها في كل مواقف حياتك "خيرها وشرها " فهذا هو الإيمان بالقدر وبذلك يكون القدر محرك للطاقات لأنه يدفعك للأنتقال إلى مساق جديد أفضل من المساق الذي أنت فيه الآن . وترى نفسك بذلك تحقق قدر الله في الخير لك ولمن حولك .
ستقول لي : لكن هناك نوع آخر من القدر لايملك الإنسان فيه أي اختيارات .. فهناك مصائب تصيب الإنسان لايملك أن يغيرها مثل موت الأحباب أو مرض لاشفاء منه أو فقد المال .. أليس هذا القدر يوجب عليه الإستسلام فقط والإستسلام دون أي فعل ..لا ... حتى في هذه الحاله لا استسلام لأن قدر الله واسع .. تعرف مثل ماذا؟ مثل طائرة أقلعت من مكان إلى مكان، ولا يمكن تغيير اتجاهها، لكنها قد تحلق على ارتفاع منخفض 12000 قدم، فتكون بطيئة وتتعرض لمطبات هوائية عنيفة.. وقد تحلق على ارتفاع عال 37000 قدم، فتصل بسرعة بدون صدمات عنيفة.. وبين 12000 قدم و37000 قدم مسافات واسعة، لكنها في النهاية ذاهبة في نفس الاتجاه لكن بنتائج أسرع وأفضل. فإذا كان القدر قد كتب عليك شيئًا تراه أنت قاسيًا فلا تستلم، ولكن حلق عاليًا، فأنت لن تغير القدر في هذه الحاله ، لكن الله برحمته ترك لنا مسافات واسعة داخل قدره لتحلق فيها كيف تشاء.
فأمامك عند موت إنسان حبيب اختيار أن تكتئب مستسلماً للقدر أو اختيار أن تتحول إلى عملاق ناشط فاعل يبذل الجهد والعمل لجمع المال لمساعدة اسرته و أولاده و لإرسال حسنات لهذا الذي توفي .. فتحلق عالياً داخل القدر .. و أمامك عند فقد المال أن تبكي عمرك على ماضاع منك لأنه من قدر الله و أمامك أن تحلق عالياً وتبدأ من جديد بعمل وجهد لتعويض مافاتك .. فماذا تختار أن تحلق منخفضاً أم تحلق عالياً ؟ إنها مساقات مختلفه كلها من قدر الله وعليك أن تختار بينها بنفسك وبكامل حريتك أيها الخليفه .
الأمر سيذهب إلى نفس المكان الذي وصل إليه شئت أم أبيت .. لكن هناك مساحات واسعه داخل نفس القدر . لن تغيره لكن وسع المساحات .. انها مساحات واسعه داخل قدر الله اختيار بينها.
القضاء والقدر فكره فعاله لأنجاح الإنسان في الحياة .
فإن قلت و اين الرضا بالقدر أليس الرضا بالحالي لو أنا فقير دليل إيمان .. كيف لا أرضى بما قسمه الله لي وفقري من قدر الله .
نقول لك : وغناك لو اغتنيت من قدر الله .. المرض من قدر الله و العلاج من قدر الله فالذي قدر المرض قدر العلاج لماذا لا تدفع قدر الله بقدر الله ؟ ولماذا لا تفر من قدر الله إلى قدر الله.
سئل رجل النبي عن أدوية يتداوون بها هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال صلى الله عليه وسلم "هي من قدر الله "
رجع عمر بن الخطاب و اصحابه من الشام ولم يكمل رحلته هناك خشية الوباء الذي انتشر بالشام فقيل له : أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين ؟! قال : " نعم ، نفر من قدر الله إلى قدر الله " .
ودفع قدر الله بقدر الله لايتم إلا بالحركة والعمل وهذا هو معنى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .. وبذلك يكون الإيمان بالقدر هو العمل اصلاً .. وبذلك يكون العمل هو جوهر إيمانك بالقدر .. هيا دافع قدر الله بقدر الله .. انت مخير .. انت حر .. كل المطلوب منك العمل ثم العمل ثم العمل . .اكسر دائرة الفقر .. اكسر دائرة البطاله .. امحوا فكرة الإستسلام للقدر ..لا تقل هي من قدر الله .. فأمامك أن تتحرك من هذا القدر إلى قدر آخر .. ايها الخليفه أنت قادر على الأنتقال من قدر تراه شر إلى قدر كله خير .. بيدك – بعملك – بإصرارك .
دمر الفهم الخاطئ للقدر بهذا الحديث
"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم.
لاحظ:
المؤمن القوي ← القوة بمفهومها الشامل " البدن ـ المال ـ السلاح ـ العلم ... الخ ← التفسير المعتاد .
المعنى الجديد ← القوي ← الذي يجيد التحرك في مساحات القدر
الدليل على ذلك ← 1ـ احرص على ما ينفعك ـ استعن بالله ولا تعجز .. لا تيأس إن اعترضك قدر .. اطرق باباً جديدا .. المجال واسع ,والاختيارات متعددة.
2ـ ختام الحديث بالكلام عن القدر ← قل قدر الله وما شاء فعل
الإيمان بالقدر يدفعك للنجاح وليس للعجز .
قصة يوسف عليه السلام أقوى مثال على عملية التفاعل مع القدر بوصفه دافعاً للطاقه .. فقدر يوسف أن يلقى في البئر العميقه ويباع كعبد لدى عزيز مصر " وزيرالماليه " فتعامل مع قدره بإيجابيه .. بأن تعلم علم الأقتصاد لوجوده في بيت العزيز ولم يستسلم للعبوديه ولكن طور نفسه بالعلم في انتظار فرصه لم تأتيه إلابعد عشرات السنين .
ثم قاده القدر مره أخرى لدخول السجن بضع سنين فتعامل مع قدره مره أخرى بإيجابيه ولم ينغلق على نفسه ولم يشكوا القدر لكنه تحول إلى مصلح يأخذ بيد رفقاؤه في السجن حتى قالوا عنه "إنا نراك من المحسنين" حتى خرج من السجن معززاً مكرماً.
ثم قاد القدر مصر والمنطقه العربيه إلى كارثه إقتصاديه ومجاعه شديدة فتعامل يوسف مع القدر للمره الثالثه بإيجابيه وتحمل المسئوليه الثقيله وقال للملك : " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " فلما فهم التعامل مع قدر الله بهذه الفاعليه صار عزيز مصر وانقذ مصر من المجاعه وعاد إلى ابيه واصلح أخوته .
هذا الفهم للقدر لايقدر ملحد يقاومة أو يرفضه لو كان منصف عاقل .
فما معى الرضا إذاً .. الرضا معنى إيماني أساسي ومهم " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً "
لكن كيف تجمع بين الرضا والتحرك لقدر جديد .. لاتعارض .. كيف ؟؟
الرضا أنك وأنت تتحرك للجديد غير ساخط على الحالي .
مثال : أنت تريد شقة جديدة واسعه لأن شقتك ضيقة . .لن تقول هذا قدري وتجتهد وفي نفس الوقت لست ساخط على الحال . راضي بالحالي وطامح للمستقبل .
الرضا الآن والطموح والصعي للمستقبل .. الرضا يعطيك هدوء نفسي والقرار لتنجح في طموحك . الدعاء طموح لقدر جديد .. والرضا عن الحالي توازن نفسي لتحقق حلمك .. اجمع بين الأثنين .
نريد تحرير مفاهيمنا من التخدير .. القدر مشروب طاقة دافع للعمل .
هذه أخد الأفكار نريد أفكار أهرى وأراء أخرى ولا ادعى أن هذا كلام نهائي بل هي محاولات ونحتاج فتح حوار حولها . نحتاج تشارك فعال لتجديد مفاهيم كثيرة .
الشباب + جيل خبراء + علماء دين وسأكون حلقة وصل بينكم .
برامج اخري
برنامح أسرار أدعية القرآن - الجزء الثاني
برنامج أسبوعي يقدمه د. عمرو خالد يتناول فيه أدعية القرآن الكريم لما لها من أسرار كثيرة لا يعلمها الكثيرون وهي جديرة بالتأمل والتفكر فلكل دعاء من أدعية القرآن أسرار وحكم.
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد