الإيمان والعصر (حلقة 3 ) ـ القرآن - كنوز القرآن
القرآن كما وصفه الله: نور، هدى، شفاء، برهان ، رحمة . فماذا يعني ذلك؟
يعني دور القرآن في الحياة أنه يولد النور، والنور هو التنوير، والتنوير يعني العلم والثقافة.
يعني دور القرآن في الحياة أنه يولد الشفاء، والشفاء حلول اجتماعية ونفسية لمشكلات عديدة.
يعني دور القرآن في الحياة أنه يولد البرهان، والبرهان هو أحد آليات البحث العلمي، الذي يثري أفكارًا جديدة تفتح آفاقًا للناس في حياتهم.
يعني دور القرآن في الحياة أنه يولد الهدى، والهدى هو إصلاح مستمر للحياة.
يعني دور القرآن في الحياة أنه يولد الرحمة، والرحمة تقدم حلولاً لمشكلات الحياة، مراعاة لإنسانية الإنسان.
كل ذلك يجعل للقرآن فعالية قصوىٰ في الحياة. إنه يبث إشارات ضوئية وصوتية للمسلم أن يقول: أنا لست سلبيًّا، ويجعله يُحيي مجالات الحياة.
هذا هو إذن دور القرآن في حياتنا: تنوير، توليد علوم، حلول اجتماعية، فتح آفاق لبحوث علمية وأفكار جديدة.
لا أقول إن كل علم لا بد أن يخرج من القرآن، فهذا خطأ فادح، ولكن أقول إن للقرآن إسهامات في العلوم، وفي حلول المشكلات، وفي التنوير، وفي الحياة، لكن نحن نزعنا المادة الفعالة من الدواء.
لا بد من إحياء مجالات الحياة بالقرآن. القرآن قادر على ذلك. لقد ضيقنا النظر إلى القرآن حتى صرنا مثل من يرى العالم في اتساع حارة، أو يرى القرآن في حجم خرم إبرة. ضيقنا الرحمة، لا حلول عملية من القرآن. صار القرآن كتاب يقرأ للموتى .. القرأن كتاب حياة وليس كتاب موت.
لقد أحدث القرآن ثورة علمية مع بداية نزوله، فقد أحيا مجالات الحياة. إنه لا يوجد كتاب أحدث ثورة علمية في زمن قياسي وفي فترة قصيرة إلا القرآن. لقد أنشأ أكثر من ثلاثين علمًا جديدًا في حياة البشر بعد نزوله بسنوات لا تزيد عن 50 سنة.
علوم أدبيه : المعاجم، علم اللغة، النحو والصرف، البلاغة.
علوم دينية: علم التفسير، أسباب نزول، علم الفقه والمدارس الفقهية، علم القراءات، علم التجويد، علم المقاصد.
علوم فنية: الخط العربي، هندسة الخطوط، الأصوات (التغني بالقرآن)، فن القصة القصيرة، فن العمارة الإسلامية.
علوم الحياة: علم التاريخ (الأمم السابقة)، علم الاجتماع (أسسه ابن خلدون معتمدًا على ما ذكره القرآن عن قيام وسقوط الحضارات)، علم أصول الدين ومنه نشأ علم المنطق والمنهج العلمي في التفكير (أسسه الإمام الشافعي، وكل نهضة أوربا مبنية على هذا العلم).
هذه العلوم قدمت حلولاً للبشرية. أين ذلك الآن؟ الإجابة: صفر، لا شيء!
دور القرآن إحياء مجالات الحياة وتوليد التنوير، فالقرآن غني جدًّا. كيف نستخرج القوانين من القرآن لتقصير مسافات البحث العلمي؟ كيف عطلنا دور القرآن؟
حقًّا: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا".
كيف عطلنا النور، والشفاء، والبرهان؟
ما الذي حدث؟
نخاف من التعامل مع القرآن.
ممنوع الاقتراب إلا لعلماء الدين فقط.
أي نظر عقلي حرام، فلو عالم أو طبيب أو فنان قال: أنا لي نظرة في القرآن، نستغرب ونقول: وما هو تخصصك لتدخل في تفسير القرآن؟
القرآن مقدس لدرجة ألا يقترب منه أحد إلا للقراءة والبركة.
تحويل القرآن من كتاب فيه معادلات الحياة، وقوانين الحياة وحلول الحياة، إلى كتاب بركة أو روحانيات فقط، أو صلاة التراويح. نحن نريد البكاء فقط، لذلك حينما عطلناه ظهرت "داعش"، وظهر إلحاد ليست له أي فائدة.
كم عدد مدارس تحفيظ القرآن دون فكر أو علم أو حلول حياة؟ لكن كم مركزًا لتوليد مجالات الحياة من القرآن؟
كم عدد ختمات قراءة قرآن في رمضان؟ عام 2008 كان مشروع عشرة ملايين ختمة، وحينها كان خطأ؛ لأني لم أحدث الناس عن إخراج 10 حلول للحياة.
القرآن كتاب رحمة وهدى وشفاء، أي إنه يقدم حلولاً في كل مجالات الحياة.
كل هذا كان مسئولا عنه علماء ودعاة الإسلام وكل المسلمين الذين فهموا القرآن بطريقة أخرى غير ذلك، وكلنا مسئولون.
لو قرأت كتابًا في الفيزياء، هل تصدق قوانينه؟
القرآن كتاب لقوانين الحياة. القرآن كتاب يعلمك هذه القوانين لتستفيد منها وتتجنب مخاطرها.
هل قرأت كتاب (the secret)؟ إنها أسرار الكون، ولكن الله أعلنها لكل البشر في كتابه لتكون قوانين أو سننًا. ملايين قرأوا كتاب السر وهو جميل؛ لكن تصدق قوانين كتاب السر ولا تصدق قوانين القرآن؟ هذا سر وهذا قرآن مفتوح!
ماذا فعل ابن خلدون مع القرآن؟
لم يكن ابن خلدون عالم دين، ومع ذلك جمع آيات الأمم السابقة ثم سار في الأرض "تجربة"، واستخرج بعد هذه التجربة علم الاجتماع.
أكبر جريمة أننا حرمنا أن يستخرج أي شخص حلول الحياة من القرآن إلا رجال الدين. هذا الكتاب كل مسلم عليه أن يستخرج منه حلول الحياة، ثم جريمة أخرى عملناها وأنا منهم، أقرأ القرآن للبكاء والتأثر الروحاني فقط؛ لأننا لما حرمنا حتى في عقلنا الباطن هذا ظهرت (داعش) بفكر شاذ، وحرمنا العالم من أفكار كثيرة رائعة.
أيها الطالب، أيها المفكر، الفنانون، الاقتصاديون، العلماء.. هذا كتاب رحمة فيه حلول وعلوم. نريد نظرة جديدة للتعامل مع القرآن.
القرآن حياة. نحتاج إلى إحياء مجالات الحياة في القرآن وعودة الفاعلية للقرآن؛ حتى لاتخرج "داعش" ولا الإلحاد.
قوانين الحياة وحلولها موجودة في هذا الكتاب: "فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً". قوانين الله.. إذن فقط عليك أن تجتهد وتستخرجها.
أمثلة:
علوم الإتقان والجودة: القرآن أول من تكلم عن الإتقان (ذُكر الإحسان في القرآن مئات المرات). "أحسنوا إن الله يحب المحسنين"، "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً"، لكن الذي وضع نظام الأيزو الغرب، وبعد ذلك نحزن نحن ونقول بعدما اكتشفوه هم: هذا في الإسلام، وقاله الإسلام من 1400 عام. إذن لماذا لم نستخرج نحن هذا؟
بعض المسلمين يقول: ستيفن كوفي من هذا؟ كل كلامه في القرآن، إذا كان ذلك فلماذا لم نخرج نحن بهذا العلم قبل ذلك؟
حفظ حقوق الملكية الاقتصادية والفكرية: أول إعلان لها في لها في القرآن. الحقوق المادية في سورة البقرة: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل، ولا يأبَ كاتب أن يكتب كما علمه الله، فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه". والحقوق الفكرية: "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم". ثم في سورة النمل: "نكروا لها عرشها" لحفظ حقوق الملكية.
علوم البيئة: الغرب متفوق فيها، وأول محمية طبيعية مكة في الأشهر الحرم.
"يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لاتنفذون إلا بسلطان". لم نتحرك نحن، لكن الذي تحرك وكالة ناسا للفضاء!
إن الكون مسخر لنا.. هذا قانون قرآني. كلمة سخر في القرآن وردت 70 مرة . لكن الإنسان لم يكتشف ولم يصل إلى قناعة أن الكون مسخر لنا إلا بعد تجربة وخطأ عبر مئات السنين. لو صدقنا قانون القرآن أن الكون مسخر لتغيرت نظرتنا للكون من مجهول مستحيل إلى مسخر يحتاج مجهودًا. فرق كبير في الوقت لو آمنت البشرية أن الكون مسخر، لوفرنا على البشرية قرونًا، فهل نؤمن بباقي القوانين ونستخرجها؟
لقد كانت حضارة المسلمين تقدم للبشرية علومًا وحلولاً ينشئونها من فهم القرآن، لكن بعد أول 400 سنة توقف ذلك تمامًا. أنا لا أتكلم عن الإعجاز العلمي، أنا أتكلم عن توليد العلوم والحلول. لا بد لكل إنسان في مجاله أن يستلهم من القرآن علومًا وحلولاً. نحتاج حركة تنوير من القرآن. هذا التجديد المطلوب في نظرتنا للقرآن.
ليس معنى هذا أن كل علم أصله في القرآن.. لا، لكنه يقدم إسهامات وإشارات تفتح لعقلك الآفاق بدل تجريب طويل 100 سنة. القرآن يوفر عليك الوقت، فقط اقرأ القرآن بهذا الهدف.
لكننا نحتاج إلى أمثلة أكثر، فماذا نفعل؟
المطلوب: توليد مجالات جديدة. أزيلوا الحواجز بينكم وبين القرآن، أحيوه؛ فالقرآن فعال في الحياة وليس سلبيًّا.
ثم إن القرآن كتاب للعالم. لا بد أن نقدم حلولاً وعلومًا للعالم، لكل البشر. هذا حقهم في القرآن، العالم له حق في هذا القرآن.
مثل ماذا؟ ابن خلدون جمع آيات الأمم السابقة واستخرج منها علم الاجتماع.
في كل الشركات العالمية هناك ميثاق يسمى cod of ethicsعبارة عن أخلاقيات للعمل يلتزم بها جميع العاملين .. أخلاقيات العمل مبثوثة في القرآن، أخلاقيات المهن، وتعاملات الشركات. لماذا لا نخرج من القرآن أخلاقيات العمل في شكل ميثاق من ثقافتنا وليس ترجمة أخلاقيات العمل الغربيه المختلفه عن ثقافتنا.
العالم يحتاج لتعلم فنون الحوار بدلاً من الصراع والحرب، ثمة علوم كثيرة ألفت في العالم عن فن الحوار، لكن قليل جدًّا عن معوقات وحواجز الحوار. تخيل أن سورة كبيرة في القرآن تتكلم عن معوقات وحواجز الحوار، تخيل سورة آل عمران، وكيف عرضت حواجز نفسية من حواجز تزيين العلم، حواجز السلطة والملك وعلاج كل حاجز، لو قدمنا وثيقة عالمية "برامج تدريبية" أو علم حواجز الحوار فننقل العالم إلى السلام الأفضل.
أحاول أن أبتعد عن العلوم الصعبة الذي سبقنا الغرب فيها جدًّا، لأبحث عن أفكار اجتماعية وأخلاقية أسهل. المهم نستخرج أي شيء. كلنا نستطيع وليس علماء الدين فقط. كل واحد في تخصصه.
شيء آخر أسهل وأجمل: لماذا لا نستخرج من القرآن المبادئ الإنسانية العالمية، مبادئ على شكل حكم. أحلم أن أجد شخصًا هنديًّا أوصينيًّا أو فرنسيًّا يقول أنا لست مسلمًا ولن أسلم، لكن سأعيش بحكمة قرآنية أو (qouets). "ياسين والقرآن الحكيم".. من الذي يجمع ويستخرج حكم القرآن الإنسانية؟ مثل ماذا؟ ما أكثرها في القرآن من لقطات حكيمة كثيرة!
مثل ماذا؟
"إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها". الخيريدور ويعود لصاحبه والشر كذلك.
"ولاتزر وازرة وزر أخرى". لا أحد يحمل خطأ أحد.
"ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم".
"واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير". اجعل لنفسك هدفًا ولا تجعل ثقافة الضجيج طريقك لتحقيق هدفك.
"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". احترام التخصص في الطب، في الميكانيكا.. لا لثقافة الفهلوة.
"ولا تجسسوا ولايغتب بعضكم بعضًا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا". السلام الاجتماعي.
"فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا" مبدأ التفاؤل في الحياة.
هذه أمثلة نريد أن تكون مائه أو أكثر. تخيلوا 100 مبدأ وحكمة في كتاب ويقدم لكل لغات العالم. منظومة متكاملة تخدم أهداف الحياة، المبادئ القرآنية الكبرى كلها إنسانية، مبثوثة في القرآن. هذه المبادئ تحتاج من جهد علماء دين. تحتاج جهد ناس محبة للقرآن.
لابد أن نولد علوم وحلول من فكرتنا لنحترم في العالم .
هذا هو دور القرآن .. هناك أمل كبير أن نحقق مبدأ رحمة للعالمين بشيء من الفكر والجهد والتجديد.
لو بتحب القرآن لابد من أن تقوم بعمل للقرآن يشفع لك بها يوم القيامة . إذا كانت سورة البقرة ستشفع يوم القيامة لمن حفظها فما بالك بمن يحفظ بها العالم بقوانينها..إذا كان يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارتقِ.. فما بالك فيمن أسعد البشرية بحل قرآني .. إذا كان لكل حرف من القرآن حسنة فما بالك بمن جعل الناس تعيش بحكم ومبادئ القرآن .
نريد ختمة قرآن لكل إنسان في تخصصه لأحياء مجالات الحياة .. لو تغار على القرآن اجعل القرآن فعال في الحياة . هل رأيتم حجم الجهد المطلوب في القرآن وكم الجهد .
وهذا الكلام السابق ليس نهائيًّا ولكن يحتاج مجهود وتفكير وفتح حوار طويل حولها.
برامج اخري
برنامح أسرار أدعية القرآن - الجزء الثاني
برنامج أسبوعي يقدمه د. عمرو خالد يتناول فيه أدعية القرآن الكريم لما لها من أسرار كثيرة لا يعلمها الكثيرون وهي جديرة بالتأمل والتفكر فلكل دعاء من أدعية القرآن أسرار وحكم.
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد