الإيمان والعصر (حلقة 5) ـ الأخلاق..رد إعتبار الأخلاق
لا شك أن أهم شيء يحتاج أن يدخل مصانع التجديد هو الأخلاق. والسؤال الآن:هل الإيمان يستطيع أن يقدم حلًّا لإصلاح الأخلاق التي انهارت في هذا العصر؟ وهل طريقة عرض التدين مسئولة عن انهيار الأخلاق؟ لماذا كان خط التدين في ارتفاع في الـ 20 سنه الأخيره بينما خط الأخلاق في انخفاض؟
وضع الأخلاق في العالم الإسلامي:
هناك دراسة خطيرة تمت سنة 2010 قامت بها جامعة (جورج تاون)، وفكرتها الأساسية هي طرح السؤال: ما مدى التزام دول العالم بمعايير الأخلاق الإسلامية؟ لقد رتبت دول العالم بحسب التزامها بأخلاق الإسلام،كما هي في القرآن والحديث : وقد قام بها دكتور هندي اسمه رحمان خان .
هل تعرفون ما الدول التي كانت في المقدمة؟ وما ترتيب الدول الإسلامية في هذا الترتيب؟ أول دولة كانت النرويج ثم السويد، ولكن ما ترتيب الدول الإسلامية؟ أول دولة كانت ماليزيا بترتيب 33 وهي دولة فير عربية،وكانت أول دولة عربية دولة الكويت بترتيب 81 ، وكانت مصر في ترتيب 128 ،وكانت سوريا في المرتبة 168 ، وجاءت اليمن في المرتبة 180 .
والسؤال الآن : كيف حدث هذا الأنهيار؟
لقد وقعنا في خطئين كبيرين:
خطأ مسئول عنه علماء الدين والدعاة
تهميش الأخلاق على حساب الأحكام الفقهيه .. صار الفقه أهم من التربيه على الأخلاق .. صارت الروحانيات أهم من الأخلاق .. صار الإسلام السياسي أهم من الأخلاق ، فأصبحنا نردد كلمات الحلال والحرام دون ربطها بالأخلاق،ودن فهم حقيقي لمقاصد الفقه،إذ إن هناك من فهم كلمة (الشريعة) على أنها الحدود،وهناك من استغل هذا لأهداف سياسية.وعدم فهم جوهر الشريعة على أنها أخلاق فإذا كانت الشريعة كتاب قانون ، فإن الفصل الأخير فيه هو فصل العقوبات الجنائية، أما سائر فصول الكتاب فهي فصول أخلاقية في جوهرها.لقد أخَّرنا الأخلاق على حساب كلام الحدود سياسيًّا لاسخدام كلمة الشريعة كحدود والشريعة أساسا الأخلاق .
أول خطأ ـ إذن ـ وقعنا فيه في الـ 20 سنة الماضية كانت تهميش الأخلاق على حساب الفقه والأحكام، ومن ثم يجب رد اعتبار الأخلاق وهذا مسئوليتنا جميعا، تبدأ من البيت والمدرسة. لقد نزعنا المادة الفعالة وهي الأخلاق من الإسلام.
ما الحل ليحدث تجديد حقيقي لدور الدين في الحياة ؟ أعرض كلامًا وأفكارًا ليست نهائية لأستراتيجية التعامل مع الأخلاق.يجب إذا أردنا تجديدًا حقيقيًّا،رد اعتبار الأخلاق في مجتمعنا،في كلام علمائنا ..في فكرنا الإسلامي.
وكيف يتم هذا ؟
استراتيجية تجديد الأخلاق
التربية على الأخلاق قبل الأحكام الفقهية والكلام عن الشريعة بمعنى الحدود فقط، الذي يجب أن يتصدر المشهد هو الأخلاق،الأخلاق قبل الأحكام الفقه والأحكام،لم أقل نلقى الفقه والأحكام والأولويات: (التيمم والجمع والقصر وقيمة اليسر والرحمة و تحريم الخمر) مع التركيز على القيمة الجمالية للأخلاقية ، لماذا نعرض الأحكام ولا نعرض القيم الأخلاقية .
الأخلاق أولاً قبل الأحكام،الأخلاق أولا ،النبي وشاب يريد الزنا، فتى شابّ أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال له النبي : اقترب، فاقترب من النبي ،فقال له النبي: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك،قال:ولا الناس يحبونه لبناتهم،قال:أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه،جعلني اللَّه فداك،قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم،قال أفتحبه لخالتك؟ قال:لا واللَّه جعلني اللَّه فداك،قال:ولا الناس يحبونه لخالاتهم ثم وضع النبي يده عليه وقال:اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه،وحَصِّنْ فرْجَه،فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء،لم يكلمه عن الحكم ، كلمه عن قيمة جمالية أخلاقية ..
لم أقلل من قيمة الفقه،بل أني أضع الأولويات والأشياء في حجمها حسب رسالة النبي، " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
بل أقول من لايفهم الأخلاق لن يفهم الفقه، لأن الفقه سيتحول بين يديه إلى قانون مثل باقي القوانين الصماء .. بينما الإسلام روح وجمال وقيم وخلق . من أجلها جاءت الأحكام.
إذاً ــ أولاً ــ يجب رد اعتبار الأخلاق . نربيه عليها قبل الأحكام الفقهية .
يقول الغزالي في المستصفى .. عدد آيات القرآن 6236 آية،ومجموع آيات المعاملات والأحكام 300 آية فقط ،أي 7% فقط من مجموع آيات القرآن بينما الـ 93 % المتبقية أخلاق مرتبطة بالعقيدة.
عدد الأحاديث الصحيحة حوالي 60 ألف حديث، منها 1800 حديث عن الأحكام، وهذا يعني أن 7% حدود ، وباقي 93% أخلاق .
إذاأردت أن تعرف أهداف الرسالة النبوية،فسوف تجدها في حديث جمعت مقاصد الرسالة .. من الذي قام بتغيير الأولويات؟
والخطأ الثاني: والمسئول عنه المجتمع كله وليس دعاة الإسلام فقط وهوأننا حولنا الكلام عن الأخلاق إلى أفكار نظرية ، كلام لا حياة فيه،كلام نظري بحت، يبتعد مئات الأميال عن الأداء العملي، كلام لاروح فيه.
في حياتنا الآن صارت الأخلاق كلامًا مواعظَ،ومقدمات فلسفية،وجثثا مُحنَّطة في متاحف الحياة اليومية. .. (خلي عندك أخلاق في البيت والمدرسة وصارت كلمة نظرية).
يجب الانتقال من جمود الفقه إلى سعة الأخلاق ثم بعدها الفقه.
إذاً الجزء الثاني في استراتيجية تجديد الأخلاق تحويل الأخلاق من فكرة نظرية إلى طريقة حياة، عن طريق تفعيل الأخلاق في حياتنا اليومية ،فلابد أن نحرك الأخلاق على يدين وقدمين،هذا قصد السيدة عائشة عندما قالت " كان خلقه القرآن " كان قرآناً يمشي على الأرض فــ(يمشي) يعني يتحرك.
واعلم أنه ينقص من حياة الإنسان على قدر نقص أخلاقه، فعمرك ناقص بمقدار نقص أخلاقك . إن الناس تتفاوت في دينهم على قدر تفاوتها في أخلاقهم،وهل الدين إلا الأخلاق:" وإنك لعلى خلق عظيم " فسروها دين عظيم لأن الدين هو الأخلاق .
أمثلة حياتيه لتفعيل الأخلاق كطريقة حياة
اكتشف حاجٌّ ماليزي بعد عودته من أداء فريضة الحج إلى بلاده وجود حجر في حقيبته من أحجار رمي الجمرات،فأصرَّ على إعادته مرة أخرى إلى مزدلفة، فقام بجلب علبة زجاج بها منظف ونظَّف الحجر وعطَّره ووضعه داخل العلبة ، ثم كتب رسالة إلى مدير بريد العاصمة المقدسة ، وأرفقها بمبلغ 10 ريالات طلب من مدير البريد أن يدفعها لسائق سيارة أجرة لإعادة الحجر إلى مكانه. هذا هو المعنى الذي نقصده لفكرة تحويل من كلام وعظي إلى طريقة حياة .
وهذه قصة حقيقة لبطل رياضي حاز على الميدالية الفضية في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984 في لعبة الجودو ،وهو البطل العالمي محمد رشوان.هذا البطل الموهوب عندما دخل الأولمبياد ظل يفوز بكل المباريات حتي وصل للدور النهائي للعب على الذهبية،وكانت المباراة النهائية مع البطل الياباني الحائز علي الميدالية الذهبية لثلاث دورات متتالية،ولكن البطل الياباني أصيب إصابة خطرة في قدمه اليسرى في الدور قبل النهائي وكانت ظاهرة ومعلومة للجميع لدرجة جعلته "يتكئ " عليها..أي أن الفرصة مهيئة للبطل المصري للحصول على حلم ذهبية الأوليمبياد .
ولكن البطل المصري قرر قرارًا عجيبا أدهش الجميع وهو أن يلعب على القدم اليمني للخصم ولن يلعب على قدمه المصابة،ولم يصدق الحكام ولا اليابانيون ما يحدث ولكنها الحقيقة، وانتهت المباراة بخسارة محمد رشوان للذهبية مع - أنه كان قادرًا على الفوز بها بسهولة- ولكنه كسب حب واحترام العالم بأجمعه حتي عندما ذهب لليابان في زيارة استقبلوه في المطار استقبال الفاتحين.
أقدم هذه القصة لأثبت لهم أن الأخلاق العالية تعيش طويلاً وتبقي دائما ملازمة لأصحابها،لأن أصحاب الأخلاق تعيش أخلاقهم أكثر من موهبتهم والأمثلة كثيرة ومنها محمود الخطيب صاحب الموهبة العالية اعتزل ولكن أخلاقة الحميدة وحب الناس له لا تزال باقية. (؟؟؟؟؟؟)
استراتيجية تجديد الأخلاق عبارة عن
خطة عملية لرد اعتبار الأخلاق . عن طريق
التربية على الأخلاق قبل الأحكام 2) جعل الأخلاق طريقة حياة وليس أفكار نظرية
لكن كيف نفعل ذلك؟ ماهي طريقة عودة الأخلاق؟؟ طبعاً الفكرة الأولى التي تقفز إلى عقولنا هي عودة القدوة .. لكن الأمر صعب . القدوة لم تعد موجودة . تم تدميرها محتاجة لــ 20 سنة لعودة المدرس القدوة والرموز القدوة .
تم تشويهها .. المدرس لم يعد قدوة .. وكذلك رموز المجتمع خدشت .. بل العكس صارت القدوات السيئة هي الغالبة .. هذا أنتج صدمات للشباب .. بداية من داعش المتطرفة إلى رموز الإباحية في الفن والأفكارالمتطرفة هي أيضاً .. ذهبت القدوة .
فكرة جديدة لا أدعي أنها نهائية .. وتحتاج إلى حوار .
الحل نربي جيلا من الشباب على فكرة جديدة اسمها .. برنامج توليد الخير .. ورمزها النمله ومستوحاة من سورة النحل .. سورة النمل تدور حول فكرة أن الخير موجود مغروس في الكون ولكنه متوزع وليس مركزًا في شيء واحد .. النحل نموذج لجمعه الرحيق.
برنامج توليد الخير فكرته : ابحث عن الخير في كل إنسان تلقاه ولا تبحث عن إنسان واحد فيه كل الخير
ابحث عن خلق جميل في كل إنسان تلقاه في الحياة ولا تبحث عن شخص تجد فيه كل الخير.
كن مثل النحلة .. الخير منتشر في الكون .. فكر بطريقة النحلة .. خذ أفضل ما في كل إنسان تلقاه ولا تنظر لباقي أخطائه .خذ ابتسامة عم عبده البواب واترك طريقته .. خذ رحمة أمل واترك عصبيتها .. خذ جدعنة صديقك واترك سبابه .. خذ من النت أفضل ما فيه .. خذ من أبيك أفضل ما فيه .. خذ من عالم الدين أفضل ما فيه .. لا تنظر لعيوب الأشخاص .. انظر للرحيق فقط .. خذ الثمرة وألق العود في النار .
هذه الطريقة هي بداية عودة الأخلاق .. لماذا ؟؟ لأن الخير منتشر في الناس لكنه موزع وليس مركَّزًا في فرد واحد بالذات في عصرنا .
كن إيجابيًّا .. انظر لما هو جيد في الناس ." الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة" من قال هلك الناس فهو أهلكهم "
هذه الطريقة تنشر الخير أسرع .. لكن تحتاج تربيه لأنها طريقة تفكير .. كيف ترى الجميل في كل إنسان
هذه الطريقة تولد التعايش لأنك سترى الناس كلها حلوة وستتخلص من العنصرية الدينية .. مسلم ومسيحي وبوذي .
وتخلصنا من الإلحاد القائم على فكرة غياب الإنسانية .
أنا جربتها .. شعرت بنهر جارٍ من الأخلاق بتدفق بسهولة في نفس ..
نلخص فكرة عودة الأخلاق .
انهارت الأخلاق .. عرض التدين أحد المسؤلين
ركزنا على الأحكام على حساب الأخلاق
عرضنا الأخلاق بشكل نظري وليس كطريقة حياة .
الإستراتيجية لتجديد الأخلاق .
الحل .. رد اعتبار الأخلاق .. عن طريق عكس الاثنين
التربية على الأخلاق قبل الأحكام
الأمل أن تتحول الأخلاق من فكرة نظرية إلى طريقة حياة
كيف ؟؟ القدوة راحت مع البديل .. نموذج جديد .. ما هو؟؟ .. نموذج توليد الخير " النحلة " ماذا يعني ذلك . لا تبحث عن الخير في الفرد الواحد .. لكن خذا الخير من كل إنسان تلقاه .. ابحث عن الخلق في أي شخص كان ولا تبحث عن الشخص الأوحد لتجد فيه كل الخلق ، لأن الخير منتشر وموزع وليس مركز في فرد واحد كن مثل النملة ، هذه طريقة حياة محتاجه تدريب بإصرار.
كيف ننفذ هذه الأليات..هذه الطريقه كيف ننفذها ..تحتاج الى تدريب على مستوى الأفراد،على مستوى المجتمع .
على مستوى الأفراد تعالوا نجرب الفكرة هذه يا شباب .. لا أقول أنها نهائية لكنها طريقة حياة .. أعتقد أنها جميلة .. لا أدعي أنها نهائية .. لكنها محتاجة إلى تجربة ومتابعة نتائج .. دراسة .. تقييم .. جربها .. يمكن تحسن حياتك .
على مستوى الفرد .. كيف أنفذها
اقرأ قصص حياة الناس وابحث عن كل ما هو خلوق واترك كل ما هو شرير .
اقرأ تصرفات الناس .. ابحث في أصحابك عن أجمل ما فيهم وخذه .. صاحبك جدع لكنه يسب خذ رحيقه وترد عوده .
جرب لمدة شهر هذه الطريقة مع كل من حولك وخذها ونفذها .. ستتحول بعد شهر لطريقة حياة وستكون أنت إنسانًا خلوقًأ .. أفضل وأجمل .. جرب
للتسهيل أكثر ..!! ابحث في كل من حولك عن 3 أشياء ( الخير – الجمال – الرحمة )
أسمها توليد الخير ابحث عن ( الخير – الجمال – الرحمة ) جرب واكتب ملاحظاتك
أما على مستوى المجتمع .. لو أردنا تنفيذ أو تجريب فكرة النموذج .. توليد الخير .. آلية تنفيذها في المجتمع
تدريب أساتذة المدارس على برنامج توليد الخير.
تدريب أساتذة الجامعات على برنامج توليد الخير .
عودة مادة الأخلاق في المدارس بعنوان توليد الخير تركز على " الخير- الجمال – الرحمة "
ورشة كتابة سيناريو وعليها درجات ونجاح ورسوب في شكل حالات عملية لتحويلها إلى طريقة حياة وكيف تتصرف .
هذا الوجه الأول .. فكرة .. تحتاج آراءكم .. حوارًا .. لنخرج بالنسخة الثانية والثالثة والرابعة . تفكير عميق .. ولا أدَّعي أنها نهائية .. هي أفكار لتحسين حياتك وحياتي .. لا أريد أن قول أني حلم إن الفكرة هذه يتم تنفيذها ، لكن أحلم أننا نعيشها ونرى الناس هكذا ونفكر فيها سويًّا .
تخيلوا لو فهمنا ديننا بهذه الطريقة، وكيف أن حياتنا ممكن تتحسن وتتجمل، نحتاج نفكر سويا .. تحتاج مجهود رهيب ، كلامي هذا محاولة واجتهاد وليس نهائي . لابد من عودة الفاعليه لديننا.كل هذا لد الفجوة بين الحياة الدين .
الأمل كبير .. احلم أن يفرح النبي بنا يوم القيامة .. أننا جلعنا رسالته تصل صحيحة عن الأخلاق
رد اعتبار الأخلاق .. ابحث عن الخير في كل إنسان تلقاه ولاتبحث عن إنسان واحد فيه كل الخير.
برامج اخري
برنامح أسرار أدعية القرآن - الجزء الثاني
برنامج أسبوعي يقدمه د. عمرو خالد يتناول فيه أدعية القرآن الكريم لما لها من أسرار كثيرة لا يعلمها الكثيرون وهي جديرة بالتأمل والتفكر فلكل دعاء من أدعية القرآن أسرار وحكم.
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد