الإيمان والعصر (حلقة 4) ـ القرآن - القرآن جملة واحدة
القرآن ودوره في الحياة
أحد أسباب التطرف والتشدد هو التعامل مع القرآن بكل آية على حدة.. فنأخد آية ونفهم منها معنًى خطأ دون النظر لباقي الآيات ذات العلاقة بالموضوع نفسه.
لذلك نريد رؤية جديدة للقرآن!
القرآن جملة واحدة.. أي: إذا جمعت كل الآيات ذات العلاقة بموضوع معين؛ لخرجت بجملة مفيدة متكاملة لا نقص ولا تناقض فيها، وبشكل معتدل وسطي بلا تطرف..
القرآن جملة واحدة.. فهو بكل سوره وآياته وأجزائه يُعدُّ كأنه جملة واحدة، فكذلك موضوعاته.. كل موضوع جملة واحدة.
القرآن جملة واحدة.. فعندما تريد التحدث في موضوع خذ كل الآيات وجمعها وضعها أمامك وافهمها سويًا.
القرآن جملة واحدة.. لأن سور القرآن وموضوعاته شبكية وليست خطية.. بعكس التوارة فهي خطية، أي إن لكل موضوع خطًّا مستقلًا بذاته وحده، تكون في النهاية خطوطًا متوازية غير متشابكة، وليس فيها ترابط ببعضها.. ولكن الحياة ليست كذلك! أما القرآن فكما قلنا إنه شبكي، أي: إن موضوعاته متشابكة ومتداخلة؛ لأنه يمثل الحياة.. والحياة متشابكة وليست خطية.. ( صورة )
القرآن مكافئ للحياة.. فلابد أن يكون متشابكًا مثل الحياة.. لكي نفهم الحياة؛ لابد من ربط القضايا ببعضها، ولكي نفهم القرآن لابد أن نربط آيات الموضوع كلها ببعضها.. ولو أردت فهم كل آية على حدة وبمعزل عن الموضوع كله؛ تكون قد جزَّأت القرآن، والقرآن كما قلنا يُؤخذ جملة واحدة، ولو جزَّأته؛ لفقد فاعليته في إنجاح الحياة، وكأنك تفهمه خطأ، فتنتج داعش التي أخطأت في فهم آيات الجهاد.
والقرآن يعيب على من يحاولون تجزئته فيقول ـ تعالى ـ : ▬كما أنزلنا على المقتسمين♂ الذين قسموا القرآن على ما وافق هواهم، ▬الذين جعلوا القرآن عضين♂ التعضية أي: تفريق المعاني المجتمعة وتمزيقها، والعرب تقول شاة عضيدة أي محزئة أعضاء متناثرة. قال ـ تعالى ـ : ▬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض♂، وهذا أيضًا من تجزئة القرآن.
عندما قرأ المسلمون القرآن قراءة تجزئة وتعضيد وصاروا مثل هؤلاء المقتسمين؛ فقدوا أنوار القرآن وظهر التطرف فيهم!
وأول من علمنا أن القرآن جملة واحدة هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما نزل قول الله ـ تعالى ـ : ▬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم♂، شق على الصحابة، فاشتكوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: «ومن منا لم يلبس إيمانه بظلم يا رسول الله؟!»، فقال لهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «أَلَمْ تَقْرَأُوا قَوْلَ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: ▬يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم♂؟!».
هل تستطيع أن تعيش مع القرآن بهذه الطريقة؟ على طريق الحاسب الآلي أو على طريقة المعجم، اجمع الآيات في موضوع معين كموضوع الأخلاق مثلا، فستشـرق أمامك أنوار القرآن، فتعود فاعلية القرآن: نور، وهدى، وشفاء، ورحمة، وعلم.
لو لم نقرأ القرآن جملة واحدة.. يحدث خلل في الرؤية في السلوك.. ويحدث تطرف وإفساد وتشدد، كما حدث في فهم آيات الجهاد مع داعش، حيث إنهم لم يقرؤوها على أنها جملة واحدة، وقاموا بتجزئة القرآن تجزئة مخلة بالمعنى الشبكي، فيجب على كل مسلم وجد شخصًا أخل بدراسة القرآن دراسة موضوعية وبدأ يجتزئ الآيات عن سياقها وبعيدة عن باقي الآيات المتعلقة بنفس الموضوع، يجب عليه أن يُعيده إلى الفهم الشبكي والموضوعي للقرآن الكريم.
فقد قامت داعش بأخذ بعض الآيات التي تتحدث عن القتال، وقاموا بعزلها عن باقي الآيات الأخرى التي تتحدث عن موضوع القتال أيضًا، مما أدى إلى تجزئة نصوص القرآن.
تعالوا نتخيل أن شابًا تأثر بفكر داعش ويفكر في الانضمام إليهم ونحن نريد أن نحمية ونرده للصواب، من خلال الرد على شبهاتهم التي طرحوها عليه:
هو: ألم يأمرنا الله بالجهاد وقتال أعداء الإسلام؟!
أنا: هذا هو أول خطأ تقع فيه، فالقرآن فرَّق بين الجهاد والقتال، فالجهاد هو بَذْلُكَ الجهد في كل عمل لله، أما القتال فلا يأتي في القرآن إلا عن معركة عادلة بين جيشين، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ قال: ▬وجاهدهم به جهادًا كبيرًا♂ أي بالقرآن وليس بالسلاح، فليس كل الجهاد قتال، فالجهاد أعمُّ من القتال.
هو: تمام.. لكن ألم يقل الله ـ تبارك وتعالى ـ : ▬واقتلوهم حيث ثقفتموهم♂، وقال أيضًا: ▬فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم♂، وقال كذلك: ▬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب♂ أليس بهذه الآيات يأمرنا أن نقاتل كل من كفر؟!
أنا: هذا ثاني خطأ تقع فيه؛ لأنك نسيت أن القرآن جملة واحدة! فلا تقرأ مجموعة آيات دون باقي الآيات في نفس الموضوع
* تعال نجمع الآيات:
▬وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا♂، فقيَّد الآيات السابقة بقيد شديد وهو عدم الاعتداء، ولفظُ الذين يقاتلونكم قيَّدَ لفظَ وقاتلوا، فالقتال في الإسلام لرد الاعتداء!
نعم، قال الله ـ تعالى ـ : ▬واقتلوهم حيث ثقفتموهم♂، ولكنه قال أيضًا: ▬لايحب المعتدين♂، فلو اعتديت صرت أنت أيضًا عدوًّا لله!
هو : وهذا ما تفعله داعش .. إنها ترد الأعتداء الذي وقع على المسلمين .
أنا : لابد أن تقرأ القرآن جملة واحده لأنك ستجد آيه أخرى وضعت شرطًا دقيقًا وخطيرًا: أنك لاتعتدي إلا على ذات من اعتدى عليك؛ لأن داعش تقول والمسلمون اعتدى عليهم ▬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ماعتدى عليكم♂، فاعتدوا عليه هنا عائده على ذات المعتدي وليس غيره، فإذا انتقمت أو قتلت أخوه أو أبوه؛ يكون هذا الدم في رقبتك يوم القيامة، وهذه قاعدة ذهبية، فإذا قتلت صحفي فرنسي لا دخل له يكون في رقبتك دم إلى يوم القيامة .. كذلك أن تفجر مترو الأنفاق في لندن تقتل ناس لا صلة لهم أو قتل الصياديين المصريين أو المسيحيين في العراق، فكلهم أبرياء! تكون مفسد في الأرض .
ستقول لي: فكيف آخذ حقي ممن اعتدى عليَّ؟!
بناء على الشرط الشديد أن تحدد بدقة من الذي اعتدى عليك، وهذا مستحيل إلا بمعركة عادلة بين جيشين، وإلا؛ فدم الصحفي الفرنسـي، والصيادين في رقبتك يوم القيامة!
وقبل أن تدخل المعركة ابحث عن رد الحقوق بالوسائل السلمية؛ لأن السلم في الإسلام هو الأصل والحرب هي الاستثناء؛ لذلك نجد الرب ـ عز وجل ـ يقول: ▬ادخلوا في السلم كافة♂، ويقول: ▬وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين♂.
فإذا لم تفلح الوسائل السلمية لرد الاعتداء؛ كانت الحرب لرد الاعتداء في معركة عادلة بين جيشين، وهنا مثل أي دولة تدخل حربًا يأتي الأمر، بل التحريض على القتال العادل، كما قال ـ تبارك وتعالى ـ لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ▬يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال♂، وقال ـ تعالى ـ أيضًا: ▬واقتلوهم حيث ثقفتموهم♂.
إذن؛ فالقرآن جملة واحدة...
* هيا نجمع الآيات بالترتيب:
(1) قال ـ تعالى ـ : ▬وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحب المعتدين♂ القتال في الإسلام فقط لرد الاعتداء.
(2) شرط شديد دقيق: ▬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه♂، هو ذاته ▬بمثل ما اعتدى عليكم♂، وهذا مستحيل تحديده إلا بمعركة عادلة.
(3) ابحثوا أولًا عن الوسائل السلمية لرد الاعتداء؛ لأن الأصل في الإسلام السلم، قال ـ تعالى ـ : ▬ادخلوا في السلم كافة♂، وقال ـ تعالى ـ أيضًا: ▬وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين♂.
(4) آخر الحلول الحرب، وهي كل آيات القتال الأخرى.
وفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حروبه كلها يؤكد هذا الترتيت، فالسنة شارحة للقرآن.
هو: لكن العلماء قالوا: «إن آيه السيف ناسخة لما قبلها»، وهي قوله ـ تعالى ـ : ▬واقتلوهم حيث ثقفتموهم♂.
أنا: هذا كذب! لأن ابن تيمية نفسه يقول: «إن آية: ▬وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحب المعتدين♂ هي الآية الحاكمة، والقاعدة العامة .
هو: أنت تقول إن الإسلام قتال دفاعي لرد الاعتداء، فماذا عن الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب وفتح الشام والعراق والأنتصار على الفرس والروم.
أنا: الفتوحات كانت في أصلها لمواجهة خطر يحيط بالدولة الوليدة ليقضـي عليها حتى من أيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي: إنها كانت قضية سياسية، فعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ نفسه أيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. اهاجمتنا الروم.. جيش أسامه؛ لأنهم كانوا يستعدون لمهاجمة المدينة، فقد كان هذا تهديدًا عسكريًّا، ثم إن الفرس والروم لم يكونوا أصحاب البلاد في مصـر والعراق والشام، وإنما كانوا محتلين ظالمين، والمسلمون لم يحاربوا أهل البلاد، بل حاربوا المحتل، ورفعوا الظلم عن أهل البلاد، ثم قالوا لهم: ▬لا إكراه في الدين♂.
هو: فماذا عن حديث النبي: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ...».
أنا: هذا نقص في علمك لأن العلماء أجمعوا أن التشريعات الكلية وأصول التشـريع لابد أن تكون في القرآن، ولايصح لنص قرآني أن يعارضه أي حديث، فالحديث شارح فقط لتشـريع القرآن، ولا يناقضه، وإلا فالحديث غير صحيح، أو فهمه خاطئ.
هو: وما هي القاعدة التي يخالفها هذا الحديث؟
أنا: قوله ـ تعالى ـ : ▬لا اكراه في الدين، وقوله ـ تعالى ـ : ▬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها♂، فكل هذه الآيات إعلان عالمي للسلام، فالأصل في العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم السلام وليس الحرب!
هو: فما تفسير الحديث؟
أنا: كلمة «الناس» في اللغة يُقصد بها كل الناس كما يقصد بها مجموعة من الناس وليس الكل، قال ـ تعالى ـ : ▬الذين قال لهم الناس♂، وكان القائل واحدًا فقط، ▬إن الناس♂، أي: قريش الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم. فالنبي يقرأ المستقبل أن الحرب مع قريش لن تنتهي إلا بإسلام قريش وليس الحديث عن كل البشر.
هو: يا سلام! أنت بهذا تقضـي على أمر الله بالجهاد، وتميع الجهاد مصدر القوة في ديننا الذي هو ذروة سنام الإسلام!
أنا: أبدًا؛ فالجهاد باقٍ إلى يوم القيامة، لكن؛ لكل عصر جهاده، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول: «خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ»، وجاهدهم بالسلاح عندما منعوه عن الناس، فاليوم مع النت قد يكونوا خلوا بيننا وبين الناس، فنجاهدهم بالدعوة؛ قال ـ تعالى ـ : ▬وجاهدهم به جهادًا كبيرًا♂، نزلت في مكة قبل القتال، فكان المقصود بها الدعوة، فقد أغناك النت عن السلاح.
هذا نوع من الجهاد متاح أمامك للعالم، بل أنت تفسده بالعنف، ونوع آخر وهو الجهاد البنائي، جهاد العصـر، فمشكلة المسلمين الإنتاج، فهم كُسالى لا يعملون؛ لذلك يأتي غيرهم ويأخذ خير أرضهم.
يقول عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لرجل حرفي مُتقن لعمله ترك عمله وسافر سعيًا للجهاد: «ارْجِعْ؛ فَإِنَّ عَمَلَكَ جِهَادٌ حَسَنٌ!»، وبعث سفيان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ واليًا على البصـرة، فبقي سنة، ثم استأذنه في الجهاد، فقال له عمر: «أَوَلَسْتَ فِي جِهَادٍ؟!».
أنا: القرآنُ جملةٌ واحدةٌ كما شرحنا آيات الجهاد.
هو: لكن هناك تفاسير تقول غير ذلك كله .
أنا: القدسية لقرآن أم للتفاسير؟! التفسير يمكن أن ترده أما القرآن فلا..
أنا: هل عندك حجج أخرى؟!
هو: سَكَتَ.
أنا: لكن أنا عندي شيء!
هو: وما هو؟
أنا: أنا أرى في وجهك قسوة وشدة وهذا عكس شخصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
أنت تعيش تحت مظله فكر أعداء الإسلام وليس تحت مظلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأنت تواجه الصـراع بفكر الصـرع، هذا ليس فكر محمد صلى الله عليه وسلم!!
تحتاج لقراءة القرآن جملة واحده في كل الموضوعات الشائكه التي يؤدي قراءتها بشكل مجتزء إلى ظهور التطرف والإلحاد .
هذه الموضوعات الشائكة مثل
الفهم الصحيح للجهاد والقتال.
العبادة دافع للإنتاج والعمل " أقم الصلاة وأقم الحياة " .
الهداية ليست جبر بل اختيار.
فقه حب الحياة .
الحقوق في الإسلام خاصة بين الرجل والمرأه قائمة على المساواة وليس التساوي.
الفقر عدو الإسلام.
الإسلام دين عمل وإنتاج وإعمار.
رد اعتبار الأخلاق " الأخلاق قبل الأحكام ".
القرآن أقوى رد عقلي على الإلحاد.
معضلة الشر والألم.
الإسلام دين التعايش والإنسانية.
الإسلام ليس ضد الجمال .. الجمال جزء أساسي في تكوين المسلم.
الدين ليس ضد التطور البشري.
حفظ حقوق الملكية " الفكرية والأقتصادية والصناعية " عميقة في القرآن.
القرآن يلغي فكرة العالم ضد الإسلام والإسلام ضد العالم.
برامج اخري
برنامح أسرار أدعية القرآن - الجزء الثاني
برنامج أسبوعي يقدمه د. عمرو خالد يتناول فيه أدعية القرآن الكريم لما لها من أسرار كثيرة لا يعلمها الكثيرون وهي جديرة بالتأمل والتفكر فلكل دعاء من أدعية القرآن أسرار وحكم.
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد
بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد