أخبار

هل يجوز توكيل الابن البالغ فى طلاق أمه؟

للرجال.. هذه الأشياء تؤثر على خصوبتك وتحرمك من الإنجاب

5 علامات لمرض السكري تظهر عند الذهاب إلى الفراش

الاستغفار ينقي الظاهر والباطن تعرف على ثمراته

أصلي وأسير على منهج الله.. وأدعو ولا يستجيب لي؟ (الشعراوي يكشف السبب)

أفضل ما تدعو به لزوجتك لتيسير الولادة والرزق بطفل معاف

ما هي لغات الأنبياء والرسل؟ وما اللغة التي سيتحدثها أهل الجنة؟

حتى لا تكون مثارًا للشبهات.. موقف للنبي يعلمك الابتعاد عن الريبة والاستبراء للعرض

التسبيح يمنحك طاقة إيجابية ويوسع لك الضيق.. إن قلته بهذه الطريقة

عم الرسول يشهد "بيعة العقبة" وينقل للنبي أسرار قريش هو على الشرك

الإيمان والعصر (حلقة 9) ـ العمل ..العبادة والعمل

مازلنا مع العمل والإنتاج، ولكن من زواية جديدة.. فنحن أمة لا تعمل ولا تنتج.. عالة على باقي الأمم.. اليد العليا على المسلمين هذه هي أصل المصيبة.

العبادة لها مكانة عظيمة في الإسلام.. لكن هل العبادة دافع وحافز للعمل ؟ هل العبادة لها علاقة بالإنتاج؟ هل العبادة لها علاقة بالحياة أو العمل والإنتاج ؟

ما الذي تضيفه العبادة للمسلم عام 2015 ليعمل وينتج.. ما الدور الحقيقي للعبادة في حياتنا في العمل ؟

بصراحة العبادة غير فعالة في حياتنا المعاصرة.. العبادة شخصية لكن لم تعد تضيف للحياة العملية.

النسخة الحالية من التدين تحتاج إلى مراجعة دور العبادة في الحياة.. ببساطة نحن جعلنا العبادة غير فعالة.. مفصولة عن الحياة.. لم يعد لها علاقة بالحياة.. العجيب أن أي داعية أو مسلم متدين يرفض بشدة من يقول فصل الدين عن الحياة.. في حين أننا من نفصله ونحن السبب فيه.. حولنا الصلاة من مشـروب طاقة للإنتاج إلى موضوع روحاني فقط مفرغ من فاعليته.

بعض المتدينين بدلًا من أن يضعوا الاختراعات العلمية في خانة العمل وضعوها في جانب البدع.. فزاد الفصل. لم نرَ يومًا مؤسسة دينية في العالم الإسلامي تُكرِّم المخترعين والناجحين في عملهم.. تُكرِّم فقط حفظة القرآن.. كل هذا أدى إلى اختفاء دور العبادة في حياتنا.. كلنا نعرف نظريًا أن العبادة المفروض تدفعنا للنجاح، هذا نظريًا! لكن كل ممارساتنا العملية عكس ذلك، وكان الفهم المحدود لآية: وما خلقت  الجن والإنس إلا ليعبدون مساعد على ذلك.

كل ما سبق أوجد متشكيين في دور الدين كله في الحياة.. بل أوجد ملحدين!

والحل: عودة فاعلية الدين في الحياة.. العبادة لابد أن تُفعَّل في الحياة.. وقتها سنشعر أكثر بقيمة وحلاوة العبادة.

ما التجديد المطلوب.. مطلوب أفكار جديدة مؤثرة علمية تنتشـر بين أجيال الشباب تجعل العبادة مفتاحًا للعمل والنجاح. فما نقدمه عبارة عن أفكار.. والأفكار هي أول خطوات التغيير.. أفكار عملية لا ندعي أنها نهائية.. ولكن هي دعوة للحوار حولها.. وسأعرض أربع أفكار.. ويمكن الحوار حولها إلى أن تصل إلى ثلاثمائة فكرة.. ففكرتي على فكرتك تنتج أفكارًا.. هذه الأفكار كلنا مسؤلون عن استخراجها من الحياة وليس دور علماء الدين فقط.

 
  
 

 

أربع أفكار لعودة فاعلية العبادة

الفكرة الأولى هي: أقم الصلاة، وأقم معها الحياة!

لم يقل لنا الله صلوا أبدًا.. لكن قال لنا: أقيموا الصلاة كلمة الصلاة في الإسلام لا تأتي وحدها إلا ومعها كلمه أخرى هي الإقامة.. ولا صلاة بلا إقامة. فالعلاقة متلاحمة بين الاثنين!

لكن العجيب أن كلمة إقامة الصلاة لم تأتِ في القرآن إلا بعدها إقامة الحياة.. معقول!! القرآن جملة واحدة.

قاعدةإذا وجدت في القرآن لفظًا يستخدم في أكثر من موضع فالهدف أنه يريدك أن تربط هذه المعاني ببعضها.. فالقرآن دائمًا يربط بين إقامة الصلاة وإقامة الحياة.

قال الله لموسى: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري.. ثم قال له لما قابل الخضر : فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض فأقامه، أي: أصلحه وأعاد بناءه.. أقام الصلاة ثم أقام الجدار بالبناء!! ما رأيك في أن تقيم شيئًا من الحياة بعد إقامة كل صلاة؟!

قال ـ تعالى ـ عن بني إسرائيل: وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم  الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضًا حسنا ثم قال لهم بعدها: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من  ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم [المائدة]..

فالإقامة هنا أعمق! إنها نقل التوراة والإنجيل من مجرد كلام إلى واقع مقام في حياة الناس.. إنها إقامة تطبيق الأفكار... أقيموا الصلاة ثم أقيموا الأفكار.

وقال لأمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرات ومرات: أقيموا الصلاة، ولكن قال أيضًا: وأقيموا  الوزن بالقسط ولا تخسـروا الميزان.. الإقامة هنا إقامة العدل وقيمة العدل.. أي القيم والأخلاق. أقيموا الصلاة معها ثلاث إقامات: «البناء، والأفكار، والقيم». هل تستطيع كل يوم أن تصلي فيه أن تفكر فيما ستقيمه بعد الصلاة.

قال الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا أيها المزمل قم الليل صلِّ.. السورة التالية: يا  أيها المدثر قم فأنذر.. قم صلِّ وقم أصلح.

هدف إقامة الصلاة أن تقيم الحياة.. أقم الصلاة وأقم معها مدرسة.. أقم الصلاة وأقم مستشفى. أقم الصلاة وأقم مصنعًا يفيد الناس. أقيموا الصلاة وأقيموا بلدكم.. هذا هو مفهوم القرآن عن الصلاة.

أول دوره لكل مسلم سمع هذا الكلام.. ابدأ من اليوم صلِّ بنية إقامة الحياة. وأول فكرة عملية لماذا: لا تتم دورات تدريبية لخطباء المساجد عن هذا المفهوم.. دور الصلاة في إقامة الحياة.. إن الفهم الصحيح للدين أن العمل جزء من الدين، وأن الصلاة وسيلة لدفع الناس للنجاح والذي لا يفهم هذا يكون لديه نقص.

أعرف قصة لاثنين شركاء اختلفوا في اجتماع في العمل على مال حرام.. فقام أحدهم وسط الاجتماع وقال لشريكه .. أنا أصلي لإقامة هذه الشـركة للخير و للناس.. أصلي وأنا أنوي إقامة الخير من خلال هذه الشـركه.. لا تفسد علي صلاتي... هذا هو معنى: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.. هل يمكن أن تبدأ الصلاة هكذا.

لا يمكن أن تكون صلاتك لمجرد أن تشطب اسمك من سجلات الغائبين أو لتثبت حضور وانصـراف.. تؤدي الركعتين فقط ولا تأنيب لضميرك. اكتب هذا الشعار في غرفتك.. في مكان صلاتك.. في شركتك... أقم الصلاة وأقم معها الحياة.. شعار رائع.

الصلاة دورة تدريبية مستمرة خمس مرات يوميًا طوال عمرك لتعطيك الطاقة الروحية لتكون قادرًا على إقامة الحياة والعمل والإنتاج، هذا هو هدف الصلاة!

لماذا من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله.. لأن كمية الطاقة فيها أعلى لأنك تبذل فيها للاستيقاظ مجهودًا رهيبًا.. ومعنى استيقاظه سيعطيه قوة لإكمال إقامة الحياة طوال اليوم.. لذلك فهو سينتج أكثر..فمن يؤذيه سيعوق إصلاحه في أرض الله.. سيعوقه من أداء دوره ومهمته.

عمر كان يقول: «إني  أجهز جيوش المسلمين وأنا أصلي» لم يقصد أنه يسهو في الصلاة.. لا أنه يقصد أنه ينوي نوايا كبيرة لله و هو يصلي .

قلد عمر وقل: نويت إقامة الصلاة و إقامة الخير طول اليوم.جرب أن تصلي من الآن هكذا. أقم الصلاة وأقم الحياة.

الصلاة بهذا المفهوم تشبه عملية إزالة للحشائش الضارة التي علقت بك طوال اليوم.. عملية تنظيف وجداني لتنطلق للإبداع.

المشكلة التي يواجهها المتدين دائمًا هي التوفيق بين الإيمان.. العبادة.. الروح.. وبين التطور المستمر الرهيب للحياة.. المسيحية واجهت المشكلة هذه بتقديم الروح على المادة.. والإسلام جاء يقول لا تعارض بينهما، بل يقول الروح والعبادة لا يمكن فصلها عن التطور.. الإسلام يقرب الفجوة بين العبادة والحياة.. كل يوم الحياة تتطور.. تكنولوجيا واختراعات.. الحل أن المؤمن العابد ينتج ويعمل وينتج ويطور.. يعني يكون بإيمانه وعمله جزءًا من عملية التطوير، فلا يشعر بالفجوة، وأن صلاته نفسها تكون دافعًا لنجاح وتطوير الحياة.. أما العبادة في ناحية وتطور الحياة في ناحية؛ فهذا ضد مراد الله.. ضد الإسلام.

لذلك نضع أفكارًا لتجديد النظر لدور العبادة في الحياة.. أربع أفكار نعرضها اليوم كأمثله.

فكرة ثانية مهمة لعودة فاعلية الصلاة في الحياة.. قال ـ تعالى ـ : وعملوا الصالحات هي العمل والإنتاج. نحن نفهمها بصورة خاطئة نفهم أن عملوا الصالحات هي صلوا وأصلحوا.. أول ملحوظة سهلة لأي واحد يقرأ القرآن هي أن كلمة آمنوا في القرآن لا يمكن أن تأتي بمفردها أبدًا. دائما يأتي معها فعل.. آمنوا وهاجروا. آمنوا واتقوا.. آمنوا وأنفقوا.. آمنوا وعملوا الصالحات كثيرة جدًا.. ولا تأتي أبدًا آمنوا وحدها. لابد من فعل شيء. لابد أن يؤدي الإيمان لأمر ثانٍ.. نحن نفهم الإيمان خطأ قالت الأعراب آمنا.. هذا معنى ضيق بارد.

وأيضًا الصلاة والعبادة.. ليست هي العملة.. لا هي جزء من الإيمان.. إذا آمنت لابد بعدها ماذا فعلت وقمت به من عمل.. آمنت يعني أنا مصدق في الله فلا صدق  ولا صلى ولكن كذب وتولى لم يصدق فلم يصلِّ، لو صدق فصلى.. العبادة جزء من الإيمان.

إذا العبادات والشعائر جزء من الإيمان؛ لأن الإيمان بلا دليل.. عبادة ولو هذا الإيمان داخله عبادة، فما هي عملوا الصالحات؟

الفهم الصحيح لآية آمنوا وعملوا الصالحات الإيمان والعمل هي نظام ( system ) مثل أي نظام في العالم.

فأي نظام عبارة عن مدخلات يحدث لها عملية تشغيل ينتج عنها مخرجات.. آمنوا هي المدخلات التي يتم عليها عملية تشغيل وتفعيل داخلي بالصلاة والصوم والشعور بالثواب فينتج عنها مخرجات ألا وهي عملوا الصالحات.

نحن نُصِرُّ أن نفهم المخرجات التي هي المفروض أن تكون العمل.

نُصِـرُّ أن نفهمها بشكل خاطئ.. نرى عملوا الصالحات هي الصلاة والصيام والحج والعمرة، وهذا مستقر في عقلنا الباطن بشدة.

مدخلات تشغيل مخرجات:

ولذلك لايوجد feed back لأن العملية أصلًا غير صحيحة.. فالمهندسون يقولون لك أي نظام ليس فيه feed back هو دليل على أن العملية غير صحيحة!

المفروض أن الإيمان مشتمل على العبادات وأن المخرجات هي الإنتاج والعمل وإعمار الأرض.

كيف خلطنا الأمر فصارت المخرجات هي هي نفس المدخلات؟؟

نريد نظامًا صحيحًا يجعلنا ندرك أن صيام رمضان له مخرجات وهي إتقان العمل؛ لأن الصيام يربي التقوى.. وكذلك القدرة على المثابرة في العمل لساعات طويلة؛ لأن الصيام يربي الصبر.

نريد نظامًا صحيحًا يجعلنا ندرك أن الصلاة لها مخرجات عملية إعمارية.

مدخلات عملية تشغيل مخرجات

بناء على ذلك فإن كلمة «عملوا الصالحات» في كل آيات القرآن يمكننا إعادة قراءتها على أنها إعمار الأرض.. عندها ستتغير نظرتك كليًّا للقرآن وفهمك للمراد من آياته.

لابد لنا من إعادة قراءة القرآن بهذا الفهم الجديد.. نريد إعادة قراءة آيات «عملوا الصالحات» من زاوية أنها عمل وإنتاج، وتخيل ماذا يحدث في الفكر الديني.. مثل قوله ـ تعالى ـ : وقل  اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله هذه أفكار لربط العبادة بالحياة وبالعمل.. هذه كلام مبدئي.. ونحتاج مئات الأفكار تنتشر في بلادنا من شباب وخبراء وعلماء دين.. إعادة قراءة علموا  الصالحات من جديد في القرآن.

 
  
 

 

ثالث فكرة أقترحها لربط  العبادة بالحياة وفاعليتها في الحياة: العبادة لا تعطل العمل

قصة نبوية جميلة.. عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ كان يصلي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، وكان يصلي خلفه رجل هو عبد الله بن حِرام فتجوّز عبد الله بن حرام في صلاته (أي لم يكمل الصلاة مع معاذ وإنما خرج منها وأكمل الصلاة وحده)، فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوّزت فزعم أني منافق، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أفتَّانٌ  أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟، قالها ثلاثًا، اقرأ: والشمس وضحاها، وسبّح اسم ربك الأعلى، ونحوها» متفق عليه.

هذا الحديث نجده في كتب الفقه تحت قاعدة: جواز انفراد المأموم عن الإمام في الصلاة هذا من زاوية فقه الصلاة لكن إذا نظرنا لنفس الحديث من زاوية العمل سنجد أنه عندما أطال معاذ الصلاة شعر عبد الله بن حرام بالحرج؛ لأنه يريد أن يسقي نخله، فكان بين أمرين: الإسراع نحو العمل في مزرعته أو البقاء في الصلاة ولم يكن لديه حكم فقهي يرشده لكيفية التصرف في هذه الحالة ففضل هو العمل فترك معاذًا، وأكمل صلاته وحده وخرج من المسجد إلى مزرعته وهو ما رأه معاذ نفاقًا، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يلُم عبد الله بن حرام ولم يره مُفضِّلًا الدنيا على الآخرة ولم يره مخطئًا، بل لَام معاذًا بكلمة دقيقة: «أَفَتَّانٌ  أَنْتَ يَا مُعَاذُ  ؟»، والمعنى القريب لكلمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي: لا تفتن الناس بالإطالة عليهم، لكن المعنى الأدق أنه إذا ترك الناس العمل للبقاء في المسجد طويلًا؛ ستكون فتنة؛ لأن حياتهم ستفسد، وبعدها دينهم سيفسد كما حدث معنا.

إننا نجد في بلادنا موظفين يذهبون أثناء عملهم لصلاة الظهر والعصر فيطيلونها أكثر من معاذ ليس تعبدًا ولكن هروبًا من العمل وأتحدى لو أن أحدهم كان يصلي المغرب والعشاء في بيته بهذا التطويل! إنه الهروب من العمل عن طريق الله.. أما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيأبى أن تعطل العبادة العمل؛ لأنه إذا حدث ذلك تكون فتنه. وأتحدى لو كان أحدهم يصلي المغرب والعشاء بعد العمل بهذا الطول.

الفكرة الثالثة.. لا للهروب من العمل باسم الدين والعبادة.. أفتان أنت يا معاذ

رابع فكرة أقترحها لربط العبادة والعمل والإنتاجإعادة فهم الآيه وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا  لِيَعْبُدُونِ، والفهم الصحيح كما أراه: العبادة مشروع للحياة.. لماذا.. هذه الآية رقم ستة وخمسين من سورة الذاريات؟! أي إنها في ختام السورة تقريبًا بحيث نستطيع أن نقول إن الآية في ذروة السورة بحيث إنها تقدم تلخيصًا للسورة بأكلمها.. ولا يمكن أن نفهم الآية بمعزلٍ عن السياق الكلي للسورة لذلك نحتاج نظرة فاحصة لسورة الذاريات.

سورة الذاريات: سورة مكية.. نزلت بعد سورة الإسراء التي واكبت فرض الصلاة في رحلة الإسراء والمعراج.

إننا بنظرة كلية على سورة الذاريات نجد أنها من بدايتها لنهايتها تتحدث عن العمل والتفاعل مع الكون من أجل الرزق الواسع. إنها ليست سورة الروحانيات ولا الشعائر التعبدية فقط كما نظن، ولكنها سورة العمل والإنتاج، وختمت في نهايتها بهذه الآية: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا  لِيَعْبُدُونِ، وكأن الإشارة هنا أن لا تفهموا أن الصلاة بما أنها فُرضت في رحلة المعراج أنها هي وحدها المقصودة بالعبادة.. فهذه سورة تدعو للعمل والحركة في الكون، ومع ذلك ختمت أيضًا بذكر العبادة ليستقر في ذهن المسلم أن كلمة العبادة لا يقصد بها الشعائر التعبدية وحدها، بل العمل عبادة، والإنتاج عبادة، وتعمير والسير في الأرض عبادة.

العباده مشروعًا للحياة.. تبدأ سورة الذاريات: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْـرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا مع تتابع الآيات في السورة سنرى أن الذاريات، والحاملات، والجاريات، والمقسمات، كلُّها «أطوار» أو «أدوار» في مشـروع عمل مشترك، وهي ترتبط مباشرة بمحاور السورة.

وَالذّارِياتِ ذَرْوًا * فَالْحامِلاتِ  وِقْرًا * فَالْجارِياتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّماتِ أَمْرًا

التفسير السائد الذي نشدد على أن ما نضيفه لا يتعارض بالضـرورة معه، بل يوسع معناه فحسب، التفسير السائد يجعل من الذاريات هي «الرياح» التي تذرُّ التراب والبذور، والحاملات هي «السحاب» التي تحمل المطر، والجاريات يسرًا هي «السفن»، والمقسمات أمرًا هي «الملائكة» التي تقسم الأرزاق بأمر الله تعالى..

السورة تفتتح بهذه الخطوط الأربعة: النثر، أو النشـر (الرياح في التفسير السائد)، الإنماء والرعاية (الغيوم التي تحمل النماء الذي سيقوم بهذا)، والنقل والإيصال (السفن التي تجري بواسطة الرياح)، وأخيرًا التقسيم (الملائكة التي تقدم النتائج).

هذه الخطوط الأربعة موجودة في كل مشروع عمل حقيقي، لا يمكن أن نجد مشروعًا لا يتضمن هذه الخطوط..

كل المشاريع تحتوي بداية على «فكرة» ما، قد تكون في البداية مثل حلم، مثل هدف أعلى، مثل صورة لبناء شامخ، مجرد تصور «عام» عنه.. دون تفاصيل، ودون معرفة بكيفية الوصول إلى تحقيق هذه الفكرة وتطبيقها..

هذه هي مرحلة «الذاريات ذروًا».. يكون فيها المشـروع مجرد بذرة بعيدة عن موسم الحصاد، مجرد فكرة بعيدة عن التطبيق.

يمكن لامرأة ما، متواضعة وفقيرة، أن تكون من «الذاريات»، أن تنشـر بذور ذلك المشروع، بذور تلك العبادة، في إطفالها الصغار..

كما يمكن لمعلم مبتدئ أن ينشـر تلك البذور في قرية نائية، أو ينقشها في قلوب وعقول الصغار الذين قد لا يعونها بالضبط وهم صغار، ولكنها ستكبر فيهم بالتدريج، وتجعل من سلوكهم ضوءًا للعبادة بهذا المعنى، المعنى الذي خُلقنا من أجله..

يمكن لفنان مبدع، أو أديب بارع، أو خطيب بروح زعامية، أن يملك زمام «النشـر» و«النثر».. أن يقوم بدور تلك المرحلة ـ الأولى والأساسية في ذلك المشروع..

إنه الترويج الذي لابد منه لكل مشروع في كل مرحلة من مراحله..

وهذا هو دور «الحاملات وقرًا» هنا، التي اختُصرت بالغيوم والسحاب، لكنها أيضًا كل ما يساهم في إنماء البذرة وفي تنشئتها، فلنتذكر أن الوقر في لسان العرب أيضًا يعني الثبات، ويعني الحاجز، والأمر هنا يشبه أن تعطي هذه البذرة ما يثبتها، ما يكرس قوتها، وفي الوقت نفسه، تمنحها أسوارًا وحواجز لحمايتها..لحماية نموها..

حاملات الوقر هذه تمثل كل ما يقوي البذرة وينميها، يحولها من مجرد فكرة إلى بذرة منفردة، إلى نواة لمشـروع، أو يمكن أن تكون كل المؤسسات التي يجب أن تتوفر لكي توفر الحماية والإنماء لتلك البذرة التي نثرناها في المرحلة الأولى.

والجريان في لسان العرب يعني السير إلى هدف محدد.

ما الذي ينتج عن الربط بين الجري والسير؟

ينتج شيء مهم للغاية في كل مشروع: «التنفيذ»! العمل..

هذه المراحل المتتابعة هي جزء من السنن الإلهية التي تسيِّر الكون، والتي يمكننا أن نكون جزءًا منها فنحقق ما خلقنا الله من أجله.. هناك موارد وخيرات متاحة تساق إليكم لكن لابد من الجهد والعمل ليأتي الرزق.

الحياة الإنسانية ـ كما يريد لها خالقها أن تكون ـ هي مشـروع يشارك فيه كل من يعبد هذا الخالق، بل إن المشاركة في هذا المشروع هي جوهر عبادته لهذا الخالق، هي جوهر وجوده كلِّه...

إنها مشروعٌ جوهرُه العبادةُ، العبادة بالطريقة التي قدمتها لنا سورة الذاريات.

ثم السورة تكشف لنا عن نظام كوني يؤثر في بيئة العمل فلا يمكن أن تنجح في مشروعك إلا بمعرفة البيئه التي تعمل فيها والتي تصفها السوره بصفتين:

أولها: الاتساع المستمر وَالسَّماءَ بَنَيْناها  بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47]..

وثانيها: التمهيد وَالأرض فَرَشْناها فَنِعْمَ  الْماهِدُونَ [الذاريات:48]..

ثم تستعرض السورة نماذج لحضارات فشلت في إعمار الأرض من باب العبودية لله.. كان إعمارًا لا يحقق فكرة «يعبدون»، فكانت نهايتها الفشل.

▬وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ♂.

وَفِي  عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ  أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ * وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ  لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ  فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ  قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ  كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ.

العبادة هنا، وكما توضحها مقدمات السورة وصولًا إلى الآية (الذروة)، هي أداء ما خلقنا الله من أجله... إعمار الأرض.

* ثم نجد وسط سورة الذاريات الآيات عن المؤمنين الذي يقومون الليل.. يتعبدون بين يدي الله كانوا قليلا من الليل يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، لكن قيام الليل والاستغفار في الأسحار جاؤوا وسط سورة تدعوا للعمل وإعمار الأرض فهذه الآيات إذن تمثل الطاقة للعمل... إنها بمثابة شحن ليلي لإنسان سيكون ساعيًا مكافحًا غدًا في الصباح وتحت ضوء الشمس.. فيكون قيام الليل طاقة عمل بالنهار.

وبذلك فإن العبادة الشعائرية عندما تفهم حسب مقاصدها «العمرانية» تكون بمثابة دورة تدريبية مستمرة ومستدامة، لا غنى عنها.

* بذلك ندرك أن العبادة في حقيقتها هي وسيلة وليس غاية في حد ذاتها وهذا لا يقلل من قيمة العبادة ولا أهميتها، بل يجعلنا نتعامل معها بشكل صحيح حيث ندرك دورها في حياتنا.. إنها هي مصدر الإمداد بالقوة والطاقة في الحياة.

أربع أفكار لنجدد نظرتنا لدور العبادة في العمل والإنتاج:

أقم الصلاة وأقم معها الحياة.

علموا الصالحات هي كفاح وإنتاج (الرسمة).

العبادة لاتعطل العمل.

العبادة مشروع للحياة.. سورة الذاريات.

 هذه أفكار أولية وتحتاج إلى حوار ومجهود وتفكير منا جميعًا .

حلقات

برامج اخري

برنامح أسرار أدعية القرآن - الجزء الثاني

برنامج أسبوعي يقدمه د. عمرو خالد يتناول فيه أدعية القرآن الكريم لما لها من أسرار كثيرة لا يعلمها الكثيرون وهي جديرة بالتأمل والتفكر فلكل دعاء من أدعية القرآن أسرار وحكم.

بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد

بودكاست معاني - دكتور عمرو خالد

amrkhaled

amrkhaled